الآيات 41-45

قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ، خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ، اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾

القراءة:

قرأ أبو عمرو ويعقوب وعاصم - في رواية حفص - والعليمي، والعبسي " ان الله يعلم ما يدعون من دونه " بالياء على الخبر عن الغائب. الباقون بالتاء على الخطاب. قال أبو علي: (ما) استفهام وموضعها النصب ب? (يدعون) ولا يجوز أن يكون نصبا ب? (يعلم) ولكن صارت الجملة التي هي منها في موضع نصب، وتقديره إن الله يعلم أوثانا يدعون من دونه، لا يخفى عليه ذلك. ومثله " فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار " (1) والمعنى سيعلمون آلمسلم يكن له عاقبة الدار أم الكافر؟. وكل ما كان من هذا فهكذا القول فيه، وهو قياس قول الخليل. شبه الله سبحانه حال من اتخذ من دونه أولياء ينصرونه عند الحاجة في الوهن والضعف بحال العنكبوت الذي يتخذ بيتا ليأوى إليه، فكما أن بيت العنكبوت في غاية الوهن والضعف، فكذلك حال من اتخذ من دون الله أولياء مثله في الضعف والوهن. والمثل قول سائر يشبه به حال الثاني بالأول. و (الاتخاذ) أخذ الشئ على اعداده لنائبة، وهو (افتعال) من (الاخذ) فلما اخذوا عبادة غير الله إعدادا لنائبة كانوا اتخذوا الأولياء من دون الله، وذلك فاسد لان عبادة الله هي العاصمة من المكاره دون عبادة الأوثان. والمولي هو المتولي للنصرة، وهو أبلغ من الناصر، لان الناصر قد يكون ناصرا بأن يأمر غيره بالنصرة، والولي هو الذي يتولى فعلها بنفسه. والعنكبوت هو دابة لطيفة تنسج بيتا تأويه، في غاية الوهن والضعف، ويجمع عناكب، ويصغر عنيكب ووزنه (فعللوت) وهو يذكر ويؤنث، قال الشاعر:

على هطأ لهم منهم بيوت * كأن العنكبوت هو ابتناها (2)

ويقال: هو العنكباء. ثم اخبر تعالى " ان أوهن البيوت لبيت العنكبوت " الذي شبه الله حال من اتخذ من دونه أولياء به، فإذا حاله أضعف الأحوال. وقوله " لو كانوا يعلمون " صحة ما أخبرناهم به ويتحققونه، لكنهم كفار بذلك، فلا يعلمونه ف? (لو) متعلقة بقوله " اتخذوا " أي لو علموا أن اتخاذهم الأولياء كاتخاذ العنكبوت بيتا سخيفا لم يتخذوهم أولياء، ولا يجوز أن تكون متعلقة بقوله " وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت " لأنهم كانوا عالمين بأن بيت العنكبوت واه ضعيف. ثم قال تعالى " إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شئ " سواء كان صنما أو وثنا أو ما كان مثل ذلك " وهو العزيز " في انتقامه الذي لا يغالب في ما يريده " الحكيم " في جميع أحواله وأفعاله، واضع لها في مواضعها. ثم قال " وتلك الأمثال " وهي الأشباه والنظائر، قال الشاعر:

هل يذكر العهد في تنمص * إذ يضرب لي قاعدة بها مثلا (3)

" يضر بها للناس وما يعقلها إلا العالمون " أي ما يدركها إلا من كان عالما بمواقعها. ثم اخبر تعالى انه " خلق السماوات والأرض " وأخرجهما من العدم إلى الوجود " بالحق " أي على وجه الحكمة دون العبث الذي لا فائدة فيه وانه قصد بها الدلالة على توحيده " إن في ذلك " يعني في خلق الله ذلك على ما ذكره " لآية للمؤمنين " المصدقين بتوحيد الله، لأنهم المنتفعون بها دون الكفار الذين لم ينتفعوا بها لتفريطهم، فلذلك أسندها إلى المؤمنين ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله " أتل ما أوحي إليك من الكتاب " يا محمد يعني القرآن - على المكلفين، واعمل بما تضمنه " وأقم الصلاة " بحدودها " ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " يعني فعلها فيه لطف للمكلف في فعل الواجب والامتناع عن القبيح، فهي بمنزلة الناهي بالقول إذا قال: لا تفعل الفحشاء ولا المنكر، وذلك لان فيها: التكبير، والتسبيح، والقراءة، وصنوف العبادة، وكل ذلك يدعو إلى شكله ويصرف عن ضده، كالأمر والنهي بالقول، وكل دليل مؤد إلى المعرفة بالحق، فهو داع إليه وصارف عن ضده من الباطل. وقال ابن مسعود: الصلاة تنهى عن المنكر وتأمر بالمعروف. وبه قال ابن عباس. وقال ابن مسعود: الصلاة لا تنفع إلا من أطاع. وقوله " ولذكر الله أكبر " معناه ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته - ذكره ابن عباس، وسلمان، وابن مسعود، ومجاهد - وقيل: معناه ذكر العبد لربه أفضل من جميع عمله - في رواية أخرى - عن سلمان، وهو قول قتادة وابن زيد وأبي الدرداء. وقال أبو مالك: معناه إن ذكر العبد لله تعالى في الصلاة أكبر من الصلاة. وقيل: ذكر الله بتعظيمه أكبر من سائر طاعاته. وقيل: ولذكر الله أكبر من النهي عن الفحشاء. وقوله " والله يعلم ما تصنعون " من خير وشر، فيجازيكم بحسبه. وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال: ان المعرفة ضرورة، ودلالة على بطلان قول المجبرة في أن الله خلق الكافر للضلال.


1- سورة 6 الانعام آية 135.

2- تفسير القرطبي 13 / 345.

3- مجاز القرآن 2 / 116.