الآيات 1-5

قال قوم: هي مكية، وقال قتادة: العشر الأول مدني، والباقي مكي. وقال مجاهد: هي مكية. وهي تسع وستون آية بلا خلاف في جملتها، وفى تفصيلها خلاف

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ، مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾

خمس آيات كوفي وأربع فيما عداه عدوا " ألم " آية. ولم يعده الباقون. قال قتادة: نزلت في أناس من أهل مكة خرجوا للهجرة فعرض لهم المشركون، فرجعوا، فنزلت الآية فيهم، فلما سمعوها خرجوا، فقتل منهم من قتل وخلص من خلص، فنزلت فيهم ﴿ والذين جاهدوا فينا ﴾ الآية (1) وقيل: نزلت في عمار، ومن كان بقرب مكة - ذكره ابن عمر - وقيل: نزلت في قوم أسلموا قبل فرض الجهاد والزكاة، فلما فرضا منعا، فنزلت الآية فيهم. قد بينا في غير موضع اختلاف الناس في ابتداء السور بحروف الهجاء وذكرنا أن أقوى الأقوال قول من قال: إنها أسماء للسور. وقال قوم: إنها أسماء للقرآن. وقوله ﴿ ألم أحسب الناس ان يتركوا ﴾ اختلف الناس في ﴿ ألم ﴾ وقد ذكرناه فيما مضى (2). وقوله ﴿ أحسب الناس أن يتركوا ﴾ خطاب من الله لخلقه على وجه التوبيخ لهم بأن قال أيظن الناس أن يتركهم الله إذا قالوا آمنا أي صدقنا ونقتصر منهم على هذا القدر، والحسبان والظن واحد. وقوله ﴿ أحسب ﴾ معناه التوهم والتخيل. وقيل: الحسبان مشتق من الحساب، لأنه في حساب ما يعمل عليه. ومنه الحسيب، لأنه في حساب ما يختبي، و " هم لا يفتنون " أي أيظنون أنهم لا يختبرون إذا قالوا آمنا ؟!. والمعنى انهم يعاملون معاملة المختبر لتظهر الافعال التي يستحق عليها الجزاء. وقيل: في معنى " أن يقولوا آمنا " قولان:

أحدهما: يتركوا لان يقولوا.

الثاني: أحسبوا أن يقولوا على البدل وقال مجاهد: معنى " يفتنون " يبتلون في أنفسهم وأموالهم. وقيل: معنى يفتنون يصابون بشدائد الدنيا أي ان ذلك لا يجب أن يرفع في الدنيا لقولهم آمنا. وقال ابن عمر: أظنوا ان لا يؤمروا ولا ينهوا. وقال الربيع: ألا يؤذوا ولا يقتلوا ؟! ثم اقسم تعالى انه فتن الذين من قبلهم " فليعلمن الله الذين صدقوا " في ايمانهم " وليعلمن الكاذبين " فيه. وإنما قال " فليعلمن " مع أنه للاستقبال والله تعالى عليم فيما لم يزل، لحدوث المعلوم فلا تصح الصفة إلا على معنى المستقبل إذ لا يصلح ولا يصح لم يزل عالما بأنه حادث، لانعقاد معنى الصفة بالحادث، وهو إذا حدث علمه تعالى حادثا بنفسه. وقيل: معنى " وليعلمن الله الذين صدقوا " ليجازيهم بما يعلم منهم. وقيل: معناه يعلم الله الذين صدقوا في أفعالهم، كما قال الشاعر:

ليث بعثر يصطاد الرجال إذا * ما الليث كذب عن أقرانه صدقا (3)

وقال ابن شجرة " فليعلمن الله " معناه فليظهرن الله لرسوله صدق الصادق. وقال النقاش: معناه فليميزن الله الصادقين من الكاذبين. وهو قول الجبائي. ثم قال تعالى ممددا لخلقه " أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا " اي أيظن الذين يفعلون القبائح والمعاصي ان يفوتونا ؟! كما يفوت السابق لغيره. ثم قال " ساء ما يحكمون " اي بئس الشئ الذي يحكمون بظنهم. انهم يفوتونا. ثم قال " من كان يرجوا لقاء الله " أي من كان يأمل لقاء ثواب الله. وقال سعيد بن جبير والسدي: معناه من كان يخاف عقاب الله، كما قال الشاعر: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها (4) أي لم يخف ف? (من) رفع بالابتداء، وخبرها (كان) وجواب الجزاء كقولك زيد إن كان في الدار فقد صدق الوعد. وقوله " فان أجل الله لآت " أي الوقت الذي وقته الله للثواب والعقاب آت لا محالة والله " هو السميع " لأقوالكم " العليم " بما تضمرونه في نفوسكم، فيجازيكم بحسب ذلك.


1- آية 69 من هذه السورة.

2- انظر 1 / 47 - 51.

3- قائله زهير بن أبي سلمى ديوانه: 43.

4- قد مر تخريجه في 2 / 210 و 3 / 315 و 7 / 491.