الآية 30
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾
اخبر الله تعالى انه " قال نسوة في المدينة " التي كان فيها الملك وزوجته ويوسف إن امرأة العزيز تطلب فتاها عن نفسه، والعزيز المنيع بقدرته عن أن يضام في أمره وسمي بذلك لأنه كان ملكا ممتنعا بملكه واتساع قدرته قال أبو داود:
درة غاص عليها تاجر * حليت عند عزيز يوم ظل (1)
والفتى الغلام الشاب والمرأة فتاة قال الشاعر:
كأنا يوم فري إنما يقتل إيانا * قتلنا منهم كل فتى ابيض حسانا (2)
ومعنى " شغفها حبا " بلغ الحب شغاف قلبها، وهو داخله. وقوله " انا لنراها في ضلال مبين " معناه إنا لنعلمها في عدول عن طريق الرشد، فعابوها بذلك وذلك أن تصير إلى ما يذهلها ويبلغ صميم قلبها بحب إنسان. وإنما حذف حرف التأنيث في قوله " وقال نسوة " لأنه تأنيث جمع قدم عليه الفعل، وتأنيث الجمع تأنيث لفظ يبطل تأنيث المعنى، لأنه لا يجتمع في اسم واحد تأنيثان، وكما يبطل تذكير المعنى في رجال، فإذا صار كذلك جاز فيه وجهان، ان حمل على اللفظ أنث، وان حمل على المعنى ذكر. وقيل في معنى الشغاف ثلاثة أوجه: شغاف القلب غلافه، وهو جلدة عليه تقول دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب - في قول السدي وأبي عبيدة - الثاني - قال الحسن: هو باطن القلب.
الثالث: قال أبو علي الجبائي: هو وسط القلب قال النابغة:
وقد حال هم دون ذلك داخل * مكان الشغاف تبتغيه الأصابع (3)
وروي شعفها بالعين اي ذهب بها الحب كل مذهب من شعف الجبال وهي رؤسها قال امرؤ القيس:
أتقتلني وقد شعفت فؤادها * كما شغف المهنؤة الرجل الطالي (4)
قال بو زيد هما مختلفان فالشعف بالعين في البغض وبالغين في الحب.
1- تفسير الطبري 12 / 110 ومجمع البيان 3 / 229. ورواية الطبري " عاص " بدل " غاص " و " جليت " بدل " حليت ".
2- الكتاب لسيبويه 1 / 271، 383.
3- ديوانه 79 وروايته (شاغل) بدل (داخل) وتفسير القرطبي 9 / 179 وتفسير الطبري (الطبعة الأولى) 12 / 110.
4- ديوانه 162، وتفسر الطبري 12 / 111 والقرطبي 9 / 177 والشوكاني (الفتح القدير) 3 / 19 ورواية الديوان: ليقتلني اني شغفت فؤادها * كما شغف المهنوءه الرجل الطالي.