الآيات 26-28

قوله تعالى: ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾

حكى الله تعالى في الآية الأولى عن يوسف أنه قال للملك حين قذفته زوجته بالسؤ: هي طالبتني عن نفسي، وانا برئ الساحة، وشهد له بذلك شاهد من أهل المرأة. قال ابن عباس، وسعيد بن جبير - في رواية عنهما - وأبو هريرة: انه كان صبيا في المهد. وفي رواية أخرى عن ابن عباس، وابن جبير، وهو قول الحسن وقتادة: انه كان رجلا حكيما، واختاره الجبائي، قال: انه لو كان طفلا لكان قوله معجزا لا يحتاج معه إلى الثاني، فلما قال الشاهد إن كان قميصه كذا، وكذا ذهب إلى الاستدلال بأنه لو كان هذا المراود، لكان القميص مقدودا من قبل، وحيث هو مقدود من دبر علم أنها هي المراودة ومع كلام الطفل لا يحتاج إلى ذلك. وقوله " إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين " حكاية ما قال الشاهد، وكذلك قوله " وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين " تمام الحكاية عن الشاهد. و (من) في قوله " قد من دبر... و... من قبل " لابتداء الغاية، لان ابتداء القد كان منها، التي في قوله " من الكاذبين " للتبعيض، لأنه بعض الكاذبين واسقط (أن) من شهد أنه إن كان لأنه ذهب مذهب القول في الحكاية، كما قال " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " (1) لان التقدير يوصيكم الله في أولادكم ان المال، وقال أبو العباس المبرد: معنى " إن كان قميصه " ان يكن، وجاز ذلك في كان، لأنها أم الباب، كما جاز ما كان ابردها. ولم يجز ما أصبح أبردها. وقال ابن السراج: إن يكن بمعنى ان يصح قد قميصه من دبر. وقوله " فلما رأى قميصه قد من دبر " حكاية من الله ان الملك لما سمع قول الشاهد ورأي قميصه قد من دبر اقبل عليها وقال: " إنه من كيد كن إن كيد كن عظيم " وقال قوم إن ذلك من قول الشاهد. والكيد طلب الشئ بما يكرهه، كما طلبت المرأة يوسف بما يكرهه ويأباه. وقوله " فلما رأى " تحتمل الرؤية أمرين:

أحدهما: أن يكون المعنى رؤية العين، فلا يكون روية للقد، لأنه حال، وإنما بين رؤية القميص.

الآخر: أن يكون بمعنى العلم فيكون رؤية للقد، لأنه خبر والهاء في قوله (إنه) يحتمل أن تكون عائدة إلى السوء، ويحتمل أن تكون عائدة إلى ما تقدم ذكره من معنى الكذب. والنون في قوله " كيد كن " نون جماعة النساء، وشددت لتكون على قياس نظيرها من المذكر في ضربكموا في أنه على ثلاثة أحرف. وقال قوم ان ذلك من قول الزوج. وقال آخرون من قول الشاهد.


1- سورة النساء آية 11.