الآية 5

قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾

القراءة:

قرأ الكسائي الا أبا الحارث وقتيبة، والعبسي، وابن اليزيدي بإمالة " رؤياك " والرؤيا في جميع القرآن، وروى أبو الحارث فتح " رؤياك " وإمالة الباقي. وقرأ قتيبة إمالة " الرؤيا " ونصب " رؤياك ". وقرأ خلف في اختياره بإمالة ما فيه ألف ولام. الباقون بالتفخيم. وخفف الهمزة في جميع ذلك أبو جعفر، وورش، والسموني، وشجاع والترمذي في الادراج، إلا أن أبا جعفر يدغم الواو في الياء فتصير ياء مشددة، قال أبو علي النحوي (الرؤيا) مصدر كالبشرى والسقيا والبقيا والشورى إلا أنه لما صار اسما لهذا التخيل في المنام جرى مجرى الأسماء، كما أن (در) لما كثر في كلامهم في قولهم لله درك جرى مجرى الأسماء، وخرج من حكم الاعمال: فلا يعمل واحد منهما اعمال المصدر، ومما يقوي خروجه عن أحكام المصادر تكسيرهم لها (دري) فصادر بمنزلة (ظلم) والمصادر في الأكثر لا تكسر، والرؤيا على تحقيق الهمزة، فان حذفت قلبتها في اللفظ واوا ولم يدغم الواو في الياء، لان الواو في تقدير الهمزة فهي لذلك غير لازمة، فلا يقع الاعتداد بها فلم تدغم، وقد كسر أولها قوم فقالوا (ريا) فهؤلاء قلبوا الواو قلبا لا على وجه التخفيف، ومن ثم كسروا الفاء، كما كسروا من قولهم: قرن لوى وقرون لي. في هذه الآية حكاية ما أجاب به يعقوب يوسف حين قص عليه رؤياه ومنامه، فقال له " يا بني لا تقصص رؤياك على أخوتك " أي لا تخبرهم بها فإنك إن أخبرتهم بذلك حسدوك وكادوك واحتالوا عليك، وإنما قال ذلك لعلمه بأن تأويل الرؤيا أنهم يخضعون له. وقوله " يا بني " فيه ثلاث يا آت، الياء الأصلية، وياء الإضافة، وياء التصغير. وحذفت ياء الإضافة اجتزاء بالكسرة وأدغمت احدى اليائين في الأخرى. وفتح الياء وكسرها لغتان. وإنما صغر (بني) مع عظم منزلته، لأنه قصد بذلك صغر السن، ولم يقصد به تصغير الذم. والرؤيا تصور المعنى في المنام على توهم الابصار، وذلك أن العقل مغمور بالنوم، فإذا تصور الانسان المعنى توهم أنه يراه. والأخ المساوي في الولادة من أب أو أم أو منهما، ويجمع أخوة وآخاء. والكيد طلب الغيظ بأذى الطالب لغيره كاده يكيد كيدا، فهو كائد. وقوله " ان الشيطان للانسان عدو مبين " اخبار منه تعالى بأن الشيطان معاد للانسان، ويلقى العداوة بينهم، واللام في قوله (لك كيدا) لام التعدية، كما يقال قدمت له طعاما، وقدمت إليه طعاما. وقال قوم: هو مثل قولهم شكرته وشكرت له، لأنه يقال كاده يكيده، وكاد له. وحكى الكسائي أن قوما يقولون: (الريا) بكسر الراء وتشديد الياء فيقلبون الهمزة واوا ويدعمون الواو في الياء. و (رؤيا) فيها أربع لغات بضم الراء مع الهمزة وبالواو بلا همزة. وقد قرئ بهما، وبضم الراء والادغام. وبكسر الراء، ولا يقرأ بهاتين.