الآية 4
قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾
القراءة:
قرأ ابن عامر وأبو جعفر " يا أبت " بفتح التاء في جميع القرآن. الباقون بكسر التاء، وابن كثير يقف بالهاء. الباقون يقفون بالتاء، وقرأ أبو جعفر أحد عشر وتسعة عشر بسكون العين فيها. الباقون بفتحها. العامل في (إذ) أحد أمرين:
أحدهما: اذكر " إذ قال يوسف ".
الثاني: نقص عليك " إذ قال " في قول الزجاج، ولا يكون على هذا الوجه ظرفا للقصص في معنى نذكره، ويجوز في " يا أبت " ثلاثة أوجه من الاعراب:
أحدهما: الكسر على حذف ياء الإضافة.
الثاني: (يا أبت) بفتح التاء على حذف الألف المنقلبة عن ياء الإضافة، كأنه أراد يا أبتا، فحذف الألف كما تحذف الياء، فتبقى الفتحة دالة على الألف، كما أن الكسرة دالة على الياء، قال رؤبة: * يا أبتا علك أو عساكا (1) *. فلما كثرت هذه الكلمة في كلامهم ألزموه القلب، قال أبو علي الفارسي: ويحتمل أن يكون مثل يا طلحة اقبل، ووجهه ان الأسماء التي فيها تاء التأنيث أكثر ما ينادى مرخما، فلما كان كذلك رد التاء المحذوفة في الترخيم وترك الامر يجري على ما كان يجري عليه في الترخيم من الفتح، فلم يعتد بالهاء، واقحامها كما قالوا: وأجمعت اليمامة يريدون أهل اليمامة، قالوا: أجمعت أهل اليمامة، فلم يعتدوا برد أهل.
الثالث: يا أبة بضم الهاء في قول الفراء ولم يجره الزجاج، قال: لان التاء عوض من ياء الإضافة. قال الرماني هذا جائز لان العوض لا يمنع من الحذف، والوقف يجوز على التاء، لان الإضافة مقدرة بعدها، وان قدر على حذف الألف لم يجز الوقف، الا بالتاء وان قدر على الاقحام جاز الوقف كقول النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب (2)
وإنما دخلت الهاء في (يا أبت) للعوض من ياء الإضافة إذ يكثر في النداء، مع لزوم معنى الإضافة، فكان أحق بالعلامة لهذه العلة. وقال أبو علي: إنما وقف ابن كثير بالهاء، فقال يا أبة، لان التاء التي للتأنيث تبدل منها الهاء في الوقف، ولم يجز على تقدير الإضافة، لأنه إذا وقف عليها سكنت للوقف وإذا سكنت كانت بمنزلة مالا يراد به الإضافة فأبدل منها الهاء كما إذا قال يا طلحة أقبل بفتح التاء، وإذا وقف عليها أبدل الهاء ياء. وإنما - أعاد ذكر " رأيتهم " لامرين:
أحدهما: للتوكيد حيث طال الكلام.
الثاني: ليدل انه رآهم ورأي سجودهم، وفي معنى سجودهم قولان:
أحدهما: هو السجود المعروف على الحقيقة تكرمة له لا عبادة له.
الثاني: الخضوع - في قول أبي علي - كما قال الشاعر: ترى الا كم فيه سجدا للحوافر (3) وهو ترك للظاهر، وقال الحسن: الأحد عشر اخوته، والشمس والقمر أبواه، وإنما قال ساجدين بالياء والنون، وهو جمع مالا يعقل، لأنه لما وصفها بفعل ما يعقل من السجود أجرى عليها صفات ما يعقل، كما قال " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم " (4) لما أمروا امر من يعقل. و (كوكبا) منصوب على التمييز و (أحد عشر) الاسمان جعلا اسما واحدا، وكذلك إلى تسعة عشر، واللغة الجيدة عند البصريين فتح العين، وحكي سكون العين، وحكى الزجاج احدى عشر وهي لغة ردية.
1- تفسير القرطبي 9: 119 وصدره: * تقول بنتي قد انى اناكا *.
2- مر تخريجه في 5: 368.
3- مر هذا الشعر في 1: 148، 263، 311، 4: 233، 383.
4- سورة النمل آية 18.