الآية283
قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾
القراءة واللغة:
قرأ أبو عمرو وابن كثير " فرهن " على وزن فعل. الباقون " فرهان " على فعال. الرهن مصدر رهنت الشئ أرهنه رهنا وأرهنته إرهانا. والأول أفصح. قال الشاعر في أرهنت: فلما خشيت أظافيره * نجوت وأرهنته مالكا (1) وقال الأزهري: أرهنت في الشئ إذا سلفت فيه. قال الشاعر: عيدية أرهنت فيها الدنانير (2) وأرهنته إرتهانا وتراهنوا تراهنا. وراهنه مراهنة واسترهنه استرهانا. والانسان رهين عمله. وكل شئ يحتبس غيره فهو رهينة ومرتهنة. وأصل الباب الرهن: حبس الشئ بما عليه وواحد الرهن رهان. وهو جمع الجمع نحو ثمار وثمر في قول الكسائي، والفراء. وقال أبو عبيدة: واحده رهن نحو سقف وسقف. وقيل لا يعرف في الأسماء فعل وفعل غير هذين. وزاد بعضهم قلب النخلة وقلب. فأما (رهان) فهو جمع رهن، وهو على القياس؟حو حبل وحبال، وفعل وفعال، وكبش وكباش، وإنما اختار أبو عمرو: فرهن لأنه موافق لخط المصحف، ولغلبة الاستعمال في الرهان في الخيل، واختاره الزجاج أيضا. ومن اختار (رهان) فلا طراده في باب الجمع. وكل حسن. وارتفع (فرهن) بأنه خبر ابتداء محذوف تقديره فالوثيقة رهن ويجوز فعليه رهن. ولو قرئ " فرهنا " بالنصب بمعنى فارتهنوا رهنا جاز في العربية، ولكن لم يقرأ به أحد. وشاهد الرهن قول قعنب بن أم صاحب: بانت سعاد وأمسى دونها عدن * وغلقت عندها من قبلك الرهن (3).
المعنى:
ومن شرط صحة الرهن أن يكون مقبوضا لقوله: " فرهان مقبوضة " فإن لم يقبض لم ينعقد الرهن. ومسائل الرهن ذكرناها في النهاية والمبسوط مستوفاة فلا فائدة للتطويل بذكرها ههنا. ويجوز أخذ الرهن في الحضر مع وجود الكاتب، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله اشترى طعاما نساء ورهن فيه درعا. وقوله (ع) لا يغلق الرهن. معناه أن يقول الراهن إن جئتك بفكاكه إلى شهر وإلا فهو لك بالدين. وهذا باطل بلا خلاف. وقوله: " ولا تكتموا الشهادة " يعني بعد تحملها " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " إنما أضاف إلى القلب مجازا، لأنه محل الكتمان، وإلا فالاثم هو الحي. وقوله: " فان أمن بعضكم بعضا " معناه ان أتمنه فلم يقبض منه رهنا " فليؤد الذي أو تمن أمانته " يعني الذي عليه الدين " وليتق الله ربه " أن يظلمه أن يخونه " والله بما تعملون عليم " بما تسرونه وتكتمونه. ودل قوله: " فان أمن بعضكم بعضا) على أن الاشهاد والكتابة في المداينة ليس بواجب، وإنما هو على جهة الاحتياط. وقد روي عن ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما (فإن لم تجدوا كتابا) يعني ما تكتبون فيه من طرس أو غيره. والمشهور هو الأول الذي حكيناه عن قرأ أهل الأمصار، وحكي عن بعضهم أنه قرأ " فإنه آثم قلبه " بالنصب فان صح فهو من قولهم: سفهت نفسك وأثمت قلبك.
1- قيل إن البيت لهمام بن مرة، وفي الصحاح لعبد الله بن همام السلولي. اللسان رهن) وروايته (أظافيرهم) بدل (أظافيره). في المطبوعة (نحرت) بدل نجوت.
2- اللسان (عود) وصدره: ظلت بحوب بها البلدان ناحية.
3- اللسان (رهن).