الآية266

قوله تعالى: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾

المعنى:

معنى قوله: (أيود أحدكم أن تكون له جنة) التقدير (على) مثل ضربه الله في الحسرة بسلب النعمة فقيل هو مثل للمرائي في النفقة، لأنه ينتفع بها عاجلا وتنقطع عنه آجلا في أحوج ما يكون إليه. هذا قول السدي وقال مجاهد: هو مثل للمفرط في طاعة الله يملاذ الدنيا يحصل في الآخرة على الحسرة العظمى. وقال ابن عباس: هو مثل للذي يختم عمله بفساد.

اللغة:

وقوله. (أيود أحدكم أن تكون له جنة) فأتى بمستقبل ثم عطف عليه بماض في قوله " وأصابه الكبر " قال الفراء يجوز ذلك في يود لأنها تلتقي مرة ب? (أن) ومرة ب? (لو) فجاز أن يقدر أحداهما مكان الأخرى، لاتفاق المعنى، فكأنه قال أيود أحدكم لو كانت له جنة من نخيل وأعناب وأصابه الكبر. قال الرماني وعندي أنه قد دل بأن على الاستقبال، وبتضمين الكلام معنى لو على التمني، كأنه قيل أيحب ذلك متمنيا له. والتمني يقع على الماضي والمستقبل ألا ترى أنه يصح أن يتمنى أن كان له ولد. ويصح أن يتمنى أن يكون له ولد. والمحبة لا تقع إلا على المستقبل، لأنه لا يجوز أن يقال أحب أن كان لي ولد ويجوز أحب أن يكون لي ولد. والفرق بين المودة والمحبة أن المودة قد تكون بمعنى التمني نحو قولك: أود لو قدم زيد بمعنى أتمنى لو قدم، ولا يجوز أحب لو قدم. وقوله أن تكون له جنة، فالجنة: البستان الكثيرة الشجر لان الشجر يجنه بكثرته فيه. والنخل معروف. وقيل: إنه مأخوذ من نخل المنخل، لاستخلاصه كاستخلاص اللباب بالنخل. والنخل والنخيل جمع نخلة. وهي شجرة التمر. وقوله: (كأنهم أعجاز نخل خاوية (1) وقوله (كأنهم أعجاز نخل منقعر) (2) فذكر على اللفظ وأنث على المعنى. والنخل نخل الدقيق نخلته نخلا. ومنه المنخل، لأنه آلة النخل والنخالة معروفة والنخل نخل السماء بالثلج أو ما صغر من القطر والانتخال الاختيار والتنخل (3): التخير وأصل الباب النخل: الدقيق. والعنب: ثمر الكرم معروف ورجل عانب وعنب. والعناب معروف. والعناب ما تقطعه الخائنة مشبه بالعنب في التعلق. ورجل عناب: عظيم الانف مشبه بعنقود العنب في التعلق والعظم. وأصل الباب العنب. وقوله: " من تحتها الأنهار " وتحت نقيض فوق وفي الحديث " لا تقوم الساعة حتى يظهر التحوت " أي الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يشعر بهم ذلا. والأنهار جمع نهر وهو المجرى الواسع من مجاري الماء قال الشاعر: ملكت بها كفي فأنهرت فتقها * يرى قائم من دونها ما وراءها (4) معناه وسعت فتقها كالنهر. وقوله: (فيها من كل الثمرات) فالثمرة: طعام الناس من الشجر. وقوله: (وأصابه الكبر) فالإصابة الوقوع على المقصود. والمراد ههنا: لحقه الكبر، والكبر حال زائدة على مقدار آخر. والمراد ههنا: الشيخوخة. والفرق بين الكبير والكثير أن الكثير مضمن بعدد وليس كذلك الكبير نحو دار واحدة كبيرة. ولا يجوز كثيرة. والذرية: الولد من الناس. والضعفاء: جمع ضعيف، والضعف نقصان القوة. وقوله: (فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت) فالعصر عصر الثوب ونحوه من كل شئ رطب عصرته أعصره عصرا فهو معصور، وعصير. واعتصرته اعتصارا، وتعصر تعصرا، وعتصره تعصيرا. وانعصر انعصارا. والعصر الدهر. وفي التنزيل " والعصر إن الانسان لفي خسر " (5) والعصر العشي. ومنه صلاة العصر لأنها تعصر أي تؤخر كما يؤخر الشئ بالتعصر فيه. والعصر النجاة من الحدب ومنه قوله تعالى: (فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) (6) لأنه كعصر الثوب في الخروج من حال إلى حال. والعصر: العطية. والاعتصار: الالتجاء. والمعتصر: الملجأ. والأعصار: غبار يلتف بين السماء والأرض كالتفاف الثوب في العصير. والمعصر فوق الكاعب. والمعصرات السحاب. ومنه قوله (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا) (7) والعصرة: الدينة يقال هو لأموالنا عصرة: أي دينة. وأصل الباب: عصر الثوب. والاحراق إحراق النار أحرقته بالنار فاحترق احتراقا وحرقته تحريقا وتحرق تحرقا والحرق حك البعير أحد نابيه بالاخر يكون وعيدا وتهديدا من فحول الإبل، لالتهابه غضبا كالتهاب الاحراق. والحرق: حك الحديدة بالمبرد حرقت الحديدة أحرقها حرقا: إذا بردتها للتفريق بالاحراق. والحرق: قطع عصبة في الورك لا تلتئم كما لا يرجع ما أحرق، يقال حرق الورك فهو محروق والحرق: الثوب يقع فيه الحرق من دق القصار لأنه كالاحراق بالنار في أنه لا يرجع إلى الحال. ومنه ريش حرق لأنه كالمنقطع بالاحراق. والحراق: ما اقتبست به النار للاحراق. والحرقة ما يجده من حدة لأنه كالاحراق بالنار. والحراقات: سفن يتخذ منها مرامي نيران يرمى بها العدو في البحر وأصل الباب الاحراق. والفكر: جولان القلب بالخواطر يقال: أفكر إفكارا وفكر تفكيرا وتفكر تفكرا ورجل فكير كثير الفكر. وقوله: (فاحترقت) فالاحتراق: افتراق الاجزاء بالنار والبيان: هو الدلالة على ما بيناه - في ما مضى - وقال الرماني: البيان اظهار المعنى بما يتميز به من غيره على جهة الصواب. ولا يقال للحن من الكلام بيان وإن فهم به المراد، لان البيان على الاطلاق ممدوح. واللحن عيب لكن يقال قد أبان عن مراده مجازا.


1- سورة الحاقة آية: 7.

2- سورة القمر آية 20.

3- في المطبوعة: (التنخر).

4- انظر 1: 26، 2: 57.

5- سورة العصر آية: 1 - 2.

6- سورة يوسف آية: 49.

7- سورة النبأ آية: 14.