الآية262

قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

الاعراب:

" الذين " رفع بالابتداء. و " ينفقون " خبره و " أموالهم " نصب لأنه مفعول به.

اللغة والمعنى:

والانفاق إخراج الشئ عن الملك. وقوله " في سبيل الله " قال ابن زيد: هو الجهاد. وقال الجبائي: أبواب البر كلها، وهو الصحيح عندنا. والمروي عن أبي عبد الله (ع). وقوله: " ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا " فالمن هو ذكر ما ينغص المعروف كقول القائل: أحسنت إلى فلان ونعشته وأغنيته وما أشبه ذلك مما ينغص النعمة وأصل المن: القطع ومنه قولهم: حبل منين أي ضعيف، لأنه مقطع ومنيته أي قطعته ومنه قوله: " فلهم أجر غير ممنون " (1) أي غير مقطوع وسمي ما يكدر النعمة والمعروف بأنه منة لأنه قطع الحق الذي يجب به. والمنة: النعمة العظيمة سميت بذلك لأنها تجل عن قطع الحق بها لعظمها. ومنه قوله: " يمنون ومثله " فجزاء مثل ما قتل من النعم " (2). وإنما جعل اختصاص الايلاء بحال الغضب، لان مدة التربص جعل فسحة للمرأة في التخلص من المضارة، فإذا لم يكن ضرار لم يصح إيلاء. ومن لمن يخص بحال الغضب، حمله على عموم الايلاء، وهو الأقوى. ومتى حلف بغير الله في الايلاء، فلا تنعقد يمينه، ولا يكون مؤليا. وقال الجبائي: إذا حلف بما يلزمه فيه عزم، نحو الصدقة، أو الطلاق، أو العتاق، فهو إيلاء، وإلا، فهو لغو، نحو قوله: وحياتك، وما أشبهه. وقال الشافعي: لا إيلاء إلا بالله، كما قلناه. ومتى حلف ألا يجامع أقل من أربعة أشهر، لا يكون مؤليا، لان الايلاء على أربعة أشهر، أو أكثر. ومتى حلف ألا يقر بها، وهي مرضعة خوفا من أن تحبل، فيضر ذلك بولدها، لا يلزمه حكم الايلاء، وهو المروي عن علي (ع)، وبه قال الحسن، وابن شهاب. ويجوز أن يكون في الآية تقديم، وتأخير، ويكون تقديره " للذين يؤلون " " تربص أربعة أشهر " " من نسائهم ". ويجوز أن يكون معناه: " للذين يؤلون من " أجل " نسائهم تربص أربعة أشهر " كما تقول: غضبت لفلان: أي من أجل فلان. وإذا مضت أربعة أشهر لم تبن منه إلا بطلاق، ويلزمه الحاكم، إما الرجوع والكفارة، وإما الطلاق، فان امتنع حبسه حتى يفئ، أو يطلق. وفيه خلاف.

قوله تعالى: وإن عزموا الطلاق فان الله سميع عليم (227) آية واحدة.

المعنى:

عزيمة الطلاق في الحكم - عندنا - أن يعزم، ثم يتلفظ بالطلاق، ومتى لم يتلفظ بالطلاق بعد مضي أربعة أشهر، فان المرأة لا تبين منه إلا أن تستدعي، فان استدعت، ضرب الحاكم مدة أربعة أشهر ثم توقف بعد أربعة أشهر، فيقال له: فئ القول المعروف معناه ما كان حسنا جميلا لاوجه فيه من وجوه القبح، وهو أن تقول للسائل قولا معروفا عليه حسنا من غير صدقة تعطيها إياه. وقال الحسن: وهو قول حسن لاعتراف العقل به، وتقبله إياه دون إنكاره له. والمغفرة ههنا قيل في معناها ثلاثة أقوال. أولها - ستر الحلة على السائل. الثاني - قال الحسن: المغفرة له بالعفو عن ظلمه. الثالث - قال الجبائي: معناه أي سلامته في المعصية لان حالها كحال المغفرة في الأمان من العقوبة.

اللغة:

وقوله. " والله غني حليم " فالغني هو الحي الذي ليس بمحتاج، ومعناه ههنا غني عن كل شئ من صدقة وغيرها. وإنما دعاكم إليها لينفعكم بها. وقال الرماني: الغني الواسع الملك فالله غني لأنه مالك لجميع الأشياء لأنه قادر عليها لا يتعذر عليه شئ منها. والغنى ضد الحاجة. تقول: غني يغنى غنى وأغناه اغتناء واستغنى استغناء وغنى غناء وتغنى تغنيا. والغناء ممدود: الصوت الحسن. ويقال فيه أغنية وأغاني والغنى: الكفاية للغنى به عن غيره. والمغنى المنزل غني بالدار: إذا أقام بها ومنه قوله " كان لم تغن بالأمس " (3) والغانية: الشابة المتزوجة لغناها بزوجها عن غيره. وهي أيضا العفيفة لغناها بعفتها. والغنية الاستغناء. والحلم: الامهال بتأخير العقوبة للإنابة، ولو وقع موقع حليم حميد أو عليم، لما حسن لأنه تعالى لما نهاهم أن يتبعوا الصدقة بالمن، بين أنهم إن خالفوا ذلك فهو غني عن طاعتهم حليم. في أن لا يعاجلهم بالعقوبة.


1- سورة التين آية: 6.

2- سورة المائدة آية: 98.

3- سورة يونس آية 24.