الآية256

قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

المعنى:

قيل في معنى قوله: " لا إكراه في الدين " أربعة أقوال: أولها - قال الحسن وقتادة والضحاك: إنها في أهل الكتاب خاصة الذين يؤخذ منهم الجزية. الثاني - قال السدي وابن زيد: إنها منسوخة بالآيات التي أمر فيها بالحرب نحو قوله: " واقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " (1) وقوله: " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " (2). والثالث - قال ابن عباس وسعيد بن جبير: إنها نزلت في بعض أبناء الأنصار وكانوا يهودا فأريد إكراههم على الاسلام. الرابع - قيل " لا إكراه في الدين " أي لا تقولوا لمن دخل فيه بعد حرب إنه دخل مكرها، لأنه إذا رضي بعد الحرب، وصح اسلامه فليس بمكره، فان قيل كيف تقولون " لا إكراه في الدين " وهم يقتلون عليه! قلنا المراد بذلك لا إكراه فيما هو دين في الحقيقة، لان ذلك من أفعال القلوب إذا فعل لوجه بوجوبه، فأما ما يكره عليه من إظهار الشهادتين، فليس بدين، كما أن من أكره على كلمة الكفر لم يكن كافرا. وقوله: " قد تبين الرشد من الغي " معناه قد ظهر بكثرة الحجج، والآيات الدالة لانضمام ما أتى الرسول فيه إلى ما في الفعل منه والألف واللام في قوله " في الدين " يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون مثل قوله " فان الجنة هي المأوى " (3) بمعنى هي مأواه فكذلك " لا إكراه في الدين " أي في دينه، لأنه قد تقدم ذكر الله كأنه قال: " لا إكراه في دين " الله.

والثاني: لتعريف دين الاسلام.

اللغة والمعنى:

والغي ضد الرشد، تقول غوى يغوي غيا وغواية: إذا سلك خلاف طريق الرشد، وغوى: إذا خاب قال الشاعر: ومن يغو لا يعدم على الغي لائما (4) أي من يخب. وغوى الفصيل يغوي غيا: إذا قطع عن اللبن حتى يكاد يهلك وقوله: " رب بما أغويتني " (5) يحتمل أمرين:

أحدهما: خيبتني.

الثاني: بما حكمت بغوايتي، ومنه قوله: " أغويناهم كما غوينا تبر أنا إليك " (6) والأصل الغي سلوك طريق الهلاك. وقوله: " ومن يكفر بالطاغوت " قيل فيه خمسة أقوال:

أحدها: ما روي عن عمر، ومجاهد، وقتادة: أنه الشيطان

الثاني: قال سعيد بن جبير: هو الكاهن.

الثالث: قال أبو العالية: هو الساحر.

والرابع: قال قوم: هم مردة الجن والإنس.

الخامس: قال بعضهم: هي الأصنام. وأصل طاغوت من الطغيان، ووزنه فعلوت نحو جبروت، وتقديره: طيغوت إلا أن لام الفعل قلبت إلى موضع العين، كما قيل صاعقة وصاعقة، ثم قلبت ألفا لوقوعها في موضع حركة، وانفتاح ما قلبها. ومعنى (يؤمن بالله) يصدق بالله. وقوله (فقد استمسك بالعروة الوثقى) فالعروة الوثقى الايمان بالله، عن مجاهد، وجرى ذلك مجرى المثل لحسن البيان باخراج مالا يقع به الاحساس إلى ما يقع به (7) والعروة: عروة الدلو ونحوه لأنها متعلقة، وعروت الرجل، أعروه عروا: إذا ألممت به متعلقا بسبب منه، واعتراه (8) يعتريه: إذا تعلق به، وعرته الحمى تعروه: إذا علقت به وعراه يعريه إذا اتخذ له عروة. وأصل الباب التعلق. وقال الأزهري العروة: كل نبات له أصل ثابت، كالشيح والقيصوم، وغيره. شبهت عرى الأشياء في لزومها. وقوله: " لا انفصام لها " أي لا انقطاع لها - في قول السدي -. والانكسار، والانفصام والانصداع والانقطاع نظائر. قال أعشى بني ثعلبة. ومبسمها عن شتيت النبأت * غير أكس ولا منفصم (9) وانفصم انفصاما: إذا انصدع، وفصمته تفصمه فصما: إذا صدعته من غير أن تكسره، وأصل الباب: الفصم، كصدع الزجاج.


1- سورة النساء آية: 88.

2- سورة محمد آية: 4.

3- سورة النازعات آية: 41.

4- قائله المرقش الأصغر وصدره: من يلق خيرا يحمد الناس أمره العقد الفريد 2: 176، 3: 77، 5: 339.

5- سورة الحجر آية: 39.

6- سورة القصص آية: 36.

7- به ساقطة من المطبوعة.

8- في المطبوعة اعتراءهم.

9- ديوانه: 35 رقم القصيدة 4. الشتيت: المتفرق المفلج من الأسنان الكسس: قصر الأسنان. في المطبوعة " عرائس " بدل " غير أكس " وروايته: (منقضم).