الآية 226

قوله تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾

اللغة:

قوله: " يؤلون " معناه: يحلفون - بلا خلاف بين أهل التأويل - وهو المروي عن سعيد بن المسيب وهو مأخوذ من الالية قال الشاعر:

كفينا من تغيب من نزار * وأحنثنا إليه مقسمينا (1)

ويقال: إلى الرجل - من امرأته - يؤلي إيلاء، وأليه، وألوة، وهو الحلف قال الأعشى:

إني أليت على حلفة * ولم أقلها سحر الساحر (2)

وجمع ألية: ألايا، وأليات، كعشية، وعشايا، وعشيات، فأما جمع ألوة، فألايا، كركوبة وركائب، وجمع ألية: ألاء كصحيفة، وصحائف، ومنه اءتلى يأتلى اءتلاء، وفي التنزيل " ولا يأتل أولوا الفضل منكم " (3)، وتقول: لا تألوا أليا، وألو، نحو العتى، والعتو. وما ألوت جهدا، ولا ألوته نصحا، أو غشا، ومنه قوله: " لا يألونكم خبالا " (4)، وقال الشاعر: نحن فصلنا جهدنا لم نأتله أي لم نقصر. وأصل الباب التقصير، فمنه لا يألوا جهدا، ومنه الآية: اليمين، لأنها لنفي التقصير. وعود ألوة، وألوة: أجود العمود، لأنه خالص.

المعنى:

والايلاء في الآية: المراد به: اعتزل النساء، وترك؟على وجه الاضرار بهن، وكأنه قيل: " للذين يألون " أن يعتزلوا نساءهم " تربص أربعة أشهر " منهم، واليمين التي يكون بها الرجل مؤليا: هي اليمين بالله عز وجل، أو بشئ من صفاته التي لا يشركه فيها غيره، على وجه لا يقع موقع اللغو الذي لا فائدة فيه، ويكون الحلف على الامتناع من الجماع على جهة الغضب، والضرار، وهو المروي عن علي (ع)، وابن عباس، والحسن. وقال إبراهيم، وابن سيرين، والشعبي: في الغضب. وقال سعيد بن المسبب: هو في الجماع، وغيره من الضرار، ونحو الحلف ألا يكلمها.

اللغة:

والتربص بالشئ انتظارك به خيرا، أو شرا يحل، وتقول: تربصت بالشئ تربصا، وربصت به ربصا، ومنه قوله: " فتربصوا به حتى حين " (5) و " نتربص به ريب المنون " (6) قال الشاعر:

تربص بها ريب المنون لعلها * تطلق يوما أو يموت حليلها (7)

ومالي على هذا الامر ربصة: أي تلبث، وأصله الانتظار. وقوله: " فان فاءوا " معناه: فان رجعوا، ومنه قوله: " حتى تفئ إلى أمر الله " (8) أي ترجع من الخطأ إلى الصواب. والفرق بين الفئ والظل: ما قال المبرد: إن الفئ ما نسخ الشمس، لأنه هو الراجع، وأما الظل: فما لا شمس فيه. وكل فئ ظل، وليس كل ظل فئ، ولذلك أهل الجنة في ظل، لا في فئ، لأنه لا شمس فيها، كما قال الله تعالى: " وظل ممدود " (9). وجمع الفئ أفياء، تقول: فاء الفئ: إذا نحول عن جهة الغداة برجوع الشمس عنه. وتفيأت في الشجر، وفيأت الشجرة. والفئ: غنائم المشركين، أفاء الله علينا فيهم، لأنه من رجع الشئ إلى حقه، والفئ الرجوع عن الغضب. إن فلانا لسريع الفئ من غضبه.

المعنى:

فان قيل: ما الذي يكون المولى به فايئا؟قيل - عندنا -: يكون فايئا بأن يجامع، وبه قال ابن عباس، ومسروق، وسعيد بن المسيب. وقال الحسن، وإبراهيم، وعلقمة: يكون فايئا بالعزم في حال العذر إلا أنه ينبغي أن يشهد على فيئه، وهذا يكون - عندنا - للمضطر الذي لا يقدر على الجماع، ويجب على الفائ - عندنا - الكفارة، وبه قال ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وقتادة، ولا عقوبة عليه، وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله (ع). وقال الحسن، وإبراهيم: لا كفارة عليه، لقوله: " فان فاؤوا فان الله غفور رحيم ": أي لا يتبعه بكفارة، ولا عقوبة.

الاعراب:

ويجوز في " تربص أربعة أشهر " ثلاثة أوجه: الجر بالإضافة، وعليه جميع القراء. ويجوز النصب، والرفع في العربية " تربص أربعة أشهر " كما قال: " ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا " (10) أي يكفتهم (11) أحياء، وأمواتا، و " تربص أربعة أشهر " كقوله: " فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله " (12) عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان " (13) أنعم عليكم. والمنة: القوة في القلب والمن: الذي يقع من السماء، والمن الذي يوزن به، لأنه يقطع على مقدار مخصوص. وقوله: " ولا أذى " فهو نحو قولهم أنت أبدا فقير، ومن أبلاني بك وأراحني الله منك، وما أشبه ذلك مما يؤذي قلب المعطى وقوله " لهم أجرهم عند ربهم " والاجر هو النفع المستحق بالعمل " ولا خوف عليهم " فالخوف يوقع الضرر الذي لا يؤمن وقوعه. " ولاهم يحزنون " فالحزن الغم الذي يغلظ على النفس. ومنه الحزن: الأرض الغليظة. وقيل في معناه قولان:

أحدهما: لا خوف عليهم لفوت الاجر.

الثاني: لا خوف عليهم لأهوال الآخرة. وقيل أنه دليل على أن الوعد بشرط لأنه مغموم الكلام. لان تقديره في المعنى ان لم يتبعوا ما أنفقوا منا ولا أذى، فلهم من الاجر كذا، وليس في الآية ما يدل على صحة القول بالاحباط أصلا، لان الوعد متى كان مشروطا بأن لا يتبع بالمن والأذى فمتى اتبع بهما لم يحصل الشرط الذي يوجب استحقاق الثواب فلم يحصل شئ أصلا ثم انحبط، وإنما كان فيه لبس لو ثبت استحقاقهم بنفس الانفاق فإذا اتبع بالمن انحبط ذلك. وهذا ليس في الآية. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: المنان: بما يعطي لا يكلمه الله ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم. وقال الضحاك لان يمسك ماله خير له من أن ينفقه ثم يتبعه منا وأذى.


1- تفسير الطبري 4: 456، وروايته " في تراب " بدل " من نزار " وفي مجمع لبيان طبع صيدا 1: 332 " من نزار " كما ذكر الشيخ سواء. وقد اعترف محقق الطبري أنه بدل " من " ب? " في " وكانت في المخطوطة والمطبوعة عنده " من ".

2- ديوانه: 143 رقم القصيدة: 18 وروايته " ولم أقله عثر العاثر " بدل " ولم قلها سحر الساحر ".

3- سورة النور آية: 22.

4- سورة آل عمران آية: 118.

5- سورة المؤمن آية 25.

6- سورة الطور آية: 30.

7- اللسان (ربص) في المطبوعة (خليلها) بدل " حليلها ". والمعنى فيهما واحد.

8- سورة الحجرات آية: 9.

9- سورة الواقعة آية: 30.

10- سورة المرسلات آية: 25 - 26.

11- في المطبوعة يكفيهم.

12- سورة النور آية: 6.

13- سورة الحجرات: 17.