الآية 219
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾
القراءة:
قرأ أهل الكوفة إلا عاصم " إثم كثير " بالثاء. الباقون بالباء، وقرأ أبو عمرو وحده " قل العفو " بالرفع. الباقون بالنصب.
اللغة:
قال أكثر المفسرين: الخمر عصير العنب إذا اشتد. وقال جمهور أهل المدينة: ما أسكر كثيره فهو خمر، وهو الظاهر في رواياتنا. وأما اشتقاقه في اللغة: تقول خمرت لدابة أخمرها خمرا إذا سقيتها الخمر، وخمرت العجين والطين أخمره خمرا: إذا تركته فلم تستعمله حتى يجود. وأخمر القوم إخمارا: إذا تواروا في الشجر. ويقال لما سترك من شجر: خمرى (1)، مقصورا، واختمرت المرأة، وخمرت إذا لبست الخمار: وهي المقنعة. وخامره الحزن مخامرة إذا خالطه. وخمر الاناء وغيره تخمرا: إذا غطيته، واستخمرت فلانا: إذا استعبدته. والخمار بخار يعقبه شرب الخمر. والمخامرة: المقاربة. والخمر: ما وارك من الشجر، وغيره. والخمر: شبيه بالسجادة. والمخمرة من الغنم: سوداء ورأسها أبيض. ودخل في خمار الناس: إذا دخل في جماعة، فخفي فيهم، وأصل الباب الستر. والميسر: قال ابن عباس، وعبد الله بن مسعود، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن سيرين: هو القمار كله وهو الظاهر في رواياتنا. واشتق الميسر من اليسر، وهو وجوب الشئ لصاحبه، من قولهم: يسر لي هذا الشئ: إذا وجب لي، فهو تيسر لي يسرا، وميسرا، والياسر: الواجب بقداح وجب لك أو غير ذلك. وقيل للمقامر: ياسر، ويسر، قال النابغة:
أو ياسر ذهب القداح بوفره * أسف تأكله الصديق مخلع (2)
يعنى القامر. وقيل أخذ من التجزءة، لان كل شئ جزأته، فقد يسرته، والياسر: الجازر. والميسر: الجزور. وقيل الميسر مأخوذ من اليسر، وهو تسهل الشئ، لأنهم - كانوا - مشتركون في الجزور، ليسهل أمرها إلا أنه المعنى الجهة: القمار.
المعنى:
وقوله: " قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس " فالنفع التي في الخمر: ما كانوا يأخذونه في أثمانها، وربح تجارتها، وما فيها من اللذة بتناولها: أي فلا تغتروا بالنفع فيها، فالضرر أكثر منه. وقال الحسن، وغيره: هذه الآية تدل على تحريم الخمر، لأنه ذكر أن فيها إثما، وقد حرم الله الاثم بقوله: " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم " (3) على أنه قد وصفها بأن فيها إثما كبيرا والكبير يحرم بلا خلاف. وقال قوم: المعنى وإثمهما بعد تحريمهما أكبر من نفعهما قبل تحريمهما. وقال آخرون: المعنى إن الاثم بشرب هذه، والقمار بها أكبر وأعظم، لأنهم كانوا إذا استكروا وثب بعضهم على بعض، وقاتل بعضهم بعضا. وقال قتادة: لا تدل الآية على تحريمهما، وإنما تدل الآية التي في المائدة في قوله: " إنما الخمر والميسر " (4) إلى آخرها. ووجهه قتادة على أنه قد يكثر فيهما " إثم كبير ". وقوله: " يسألونك ماذا ينفقون " قال السدي: نسخته آية الزكاة. وقال مجاهد: هو فرض ثابت. وقال قوم: هو أدب من الله ثابت غير منسوخ، وهو الأقوى، لأنه لا دليل على نسخها. و "؟" هنا قيل في معناه ثلاثة أقوال: قال ابن عباس، وقتادة: هو ما فضل عن الغنى. وقال الحسن، وعطا: هو الوسط من غير إسراف ولا إقتار. وقال مجاهد: هو الصدقة المفروضة. وروي عن أبي جعفر (ع) أن العفو: ما فضل عن قوت السنة، فنسخ ذلك بآية الزكاة. وروي عن أبي عبد الله (ع) أن العفو هاهنا: الوسط. والعفو مأخوذ من الزيادة ومنه قوله: " حتى عفوا " (5) أي حتى زادوا على ما كانوا عليه من العدد قال الشاعر:
ولكنا نعض السيف منها * باسبق عافيات الشحم كوم (6)
أي زايدات الشحم. وقال قوم: هو مأخوذ من الترك من قوله: " فمن عفي له من أخيه شئ " (7) أي ترك له، فيكون العفو المتروك غنى عنه، ومن رفع معناه ما الذي ينفقون، وفي الأول كأنه قال: أي شئ ينفقون، فقالوا: العفو. وإنما وحد الكاف في كذلك، وإن كان الخطاب لجماعة، لاحد أمرين:
أحدهما: في تقدير كذلك أيها السائل.
الثاني: أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله ويدخل فيه الأمة، كما قال: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " (8) وقوله: " لعلكم تتفكرون " أي لكي تتفكروا، وهي لام الغرض. وفي ذلك دلالة على أن الله تعالى أراد منهم التفكر سواء تفكروا أو لم يتفكروا.
1- في المطبوعة (ضرأ) وهو تصحيف.
2- لم أجد هذا البيت في شعر النابغة، وهو موجود في تفسير الطبري 4: 322. الياسر: المقامر. القداح: تستعمل في لعب القمار الوفر: المال الكثير. مخلع: قد لعب في القمار مرة بعد مرة. وكأنه يصف لاعب قمار قد خسر ماله الواسع وقد أسف عليه عندما رأى أصدقاءه الذين يلعبون دائما قد أخذوه منه وتقاسموه.
3- سورة الأعراف آية: 32.
4- آية: 93.
5- سورة الأعراف آية: 94.
6- قائله لبيد بن ربيعة، ديوانه: 19 رقم القصيدة: 3 في المطبوعة " يعض السيف منا " وهو خطأ، لان هذا البيت من قصيدة يفتخر في كرمهم: يقول:.
7- سورة البقرة آية: 187.
8- سورة الطلاق آية: 1.