الآية 203

قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾

المعنى:

هذا أمر من الله تعالى للمكلفين أن يذكروا الله في الأيام المعدودات: وهي أيام التشريق: ثلاثة أيام بعد النحر، وهو قول ابن عباس، والحسن ومالك. والأيام المعلومات: عشر ذي الحجة، وهو قول ابن عباس أيضا، وذكر الفراء: أن المعلومات: هي أيام التشريق، والمعدودات العشر. وفيه خلاف ذكرناه في اختلاف الفقهاء. وسميت معدودات لأنها قلائل، كما قال: " وشروه بثمن بخس دراهم معدودة " (1) أي قليلة. والجمع بالألف والتاء يصلح للقليل والكثير، والقليل أغلب عليه. وأنكر الزجاج ما يروي في قول حسان:

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى * وأسيافنا يقطرن من نجدة دما (2)

من أنه عيب عليه، وزعم أن الخبر موضوع، وقال الألف والتاء يصلح للكثير قال الله تعالى: " وهم في الغرفات آمنون " (3) وقال: " إن المتقين في جنات وعيون " (4) وإنما احتمل هذا الجمع القليل والكثير، لان جمع السلامة على طريقة واحدة لا يتميز فيه قليل من كثير، وكان القليل أغلب عليه، لشبهه بالتثنية. والآية تدل على وجوب التكبير في هذه الأيام، وهو أن يقولوا: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وبه قال الحسن والجبائي، وزاد أصحابنا على هذا القدر: الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا، ورزقنا من بهيمة الأنعام. وأول التكبير - عندنا - لمن كان بمنى، عقيب الظهر من يوم النحر إلى الفجر يوم الرابع من النحر: عقيب خمسة عشرة صلاة، وفي الأمصار عقيب الظهر من يوم النحر إلى عقيب الفجر يوم الثاني من التشريق: عقيب عشر صلوات، واختار الجبائي من صلاة الغداة من يوم عرفة إلى صلاة العصر آخر يوم التشريق. وفيه خلاف ذكرناه في الخلاف. وقوله تعالى: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه ". المعني في ذلك الرخصة في جواز النفر في اليوم الثاني من التشريق وإن أقام إلى النفر الأخير، وهو اليوم الثالث من التشريق، كان أفضل، فان نفر في الأول، نفر بعد الزوال إلى الغروب، فان غربت فليس له أن ينفر. وقال الحسن إنما له أن ينفر بعد الزوال إلى وقت العصر، فان أدركته صلاة العصر، فليس له أن ينفر إلا يوم الثالث وليس للامام أن ينفر في النفر الأول، وبه قال الحسن. وقوله تعالى: " فلا إثم عليه " قيل فيه قولان:

أحدهما: لا إثم عليه لتكفير سيئاته بما كان من حجه المبرور وهو معنى قول ابن مسعود.

الثاني: قال الحسن: لا إثم عليه في تعجله ولا تأخره. وإنما نفى الاثم، لئلا يتوهم ذلك متوهم في التعجل، وجاء في التأخر على مزاوجة الكلام كما تقول: إن أظهرت الصدقة، فجائز. وإن أسررتها، فجائز، والاسرار أفضل. وقوله تعالى: " لمن اتقى " قيل فيه قولان:

أحدهما: لما قال " فلا إثم عليه " دل على وعده بالثواب، فقيد ذلك بالتقوى لله تعالى، لئلا يتوهم أنه بالطاعة في النفر فقط. و

الثاني: أنه لا إثم عليه في تعجله إذا لم يعمل لضرب من ضروب الفساد، ولكن لاتباع إذن الله فيه. وقالوا: معنى تجديد الامر بالتقوى هاهنا التحذير من الاتكال على ما سلف من أعمال البر في الحج، فبين أن عليهم مع ذلك ملازمة التقوى، ومجانبة المعاصي. وروى أصحابنا: أن قوله " لمن اتقى " متعلق بالتعجل في اليومين، وتقديره " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " " لمن اتقى " الصيد إلى انقضاء النفر الأخير وما بقي من إحرامه، ومن لم يتقها، فلا يجوز له النفر في الأول، وهو اختيار الفراء، والمروي عن ابن عباس، وروي عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى " فمن تعجل في يومين " أي من مات في هذين اليومين، فقد كفر عنه كل ذنب. ومن تأخر أي أنسئ أجله، فلا إثم عليه بعدها إذا اتقى الكبائر.

الاعراب:

والعامل في اللام في قوله " لمن اتقى " قيل فيه قولان:

أحدهما: ذلك " لمن اتقى " فحذف ذلك لان الكلام الأول دل على وعد للعامل. و

الثاني: أن يكون العامل معنى " لا إثم عليه "، لأنه قد تضمن معنى جعلناه " لمن اتقى ".

اللغة:

وقوله تعالى: " واتقوا الله " معناه اجتنبوا معاصي الله، " واعلموا أنكم إليه تحشرون " أي تحققوا أنكم بعد موتكم تردون إلى الله، فيجازيكم على أعمالكم. تقول: حشر يحشر حشرا، فالحشر: جمع القوم من كل ناحية إلى مكان. والمحشر: مجتمعهم: هو المكان الذي يحشرون فيه، وحشرتهم السنة: إذا أجحفت بهم، لأنها تضمهم من النواحي إلى المصر. وسهم حشر: خفيف لطيف، لأنه ضامر باجتماعه. ومنه أذن حشره: لطيفة ضامرة. وحشرات الأرض: دوابها الصغار، والواحدة حشرة، لاجتماعها من كل ناحية. ودابة حشور: إذا كان ملززة الحلق شديدة. ورجل حشور: إذا كان عظيم البطن. وحشرت السنان، فهو محشور: إذا رفقته وألطفته. وأصل الباب الاجتماع.


1- سورة يوسف آية: 20.

2- ديوانه: 69. الجفنات جمع جفنة وهي القصعة الكبيرة، والغر: البيض. وهذا البيت قيل ة ان حسان قد فاز به في بعض السنين بسوق عكاظ وقد أعابته الخنساء في الجفنات لأنها جمع قلة وفي الغر لأنه لا يدل على أن القصاعي ممتلاة طعاما، وعلى قوله: يقطرن، ولم يقل يجر؟.

3- سورة سبأ آية: 37.

4- سورة الحجر آية: 45.