الآية 68
قوله تعالى: ﴿كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ﴾
القراءة:
قرأ الكسائي وحده " لثمود " بخفض الدال وتنوينها. والباقون بغير صرف. وقرأ حمزة وحفص ويعقوب " ألا إن ثمود " وفي الفرقان. و " عادا وثمود " وفي العنكبوت " وثمود فما أبقى " بغير تنوين فيهن وافقهم يحيى والعليمي والسموني في سورة (النجم). قال الفراء قلت للكسائي: لم صرفت (ثمود) هنا؟فقال: لأنه قرب من المنصوب، وهو مجرور، وإنما صرف ثمود في النصب دون الجر والرفع، لأنه لما جاز الصرف اختير الصرف في النصب، لأنه أخف. قال أبو علي الفارسي: الأسماء التي تجري على القبائل والاحياء على اضرب:
أحدها: أن يكون اسما للحي أو للأب.
الثاني: أن يكون اسما للقبيلة.
الثالث: أن يكون غلب عليه الأب دون الحي والقبيلة.
الرابع: ان يستوي ذلك في الاسم فيجري على الوجهين، ولا يكون لاحد الوجهين مزية على الآخر في الكثرة، فمها جاء اسما للحي قولهم ثقيف وقريش، وكلما لا يقال فيه بنو فلان. واما ما جاء اسما للقبيلة فنحو تميم بنت مرة قال سيبويه سمعناهم يقولون: قيس ابنة عيلان، وتميم صاحبة ذلك، وقال تغلب ابنة وابل. واما ما غلب عليه اسم أم الحي أو القبيلة، فقد قالوا باهلة ابن اعصر، وقالوا يعصر، وباهلة اسم امرأة، قال سيبويه جعل اسم الحي، ومحوس لم يجعل اسم قبيلة، وسدوس أكثرهم يجعله اسم القبيلة، وتميم أكثرهم يجعله اسم قبيلة ومنهم من يجعله اسم الأب. واما ما يستوي فيه اسم قبيلة، وأن يكون اسما للحي، فقال سيبويه نحو ثمود وعاد، وسماهما مرة للقبيلتين ومرة للحيين، فكثرتهما سواء. قال: وعادا وثمودا، وقال " ألا إن ثمود كفروا ربهم " وقال " واتينا ثمود الناقة " فإذا استوى في ثمود أن يكون مرة للقبيلة ومرة للحي ولم يكن لحمله على أحد الوجهين مزية في الكثرة: فمن صرف في جميع المواضع كان حسنا، ومن لم يصرف أيضا كذلك، وكذلك ان صرف في موضع ولم يصرف في موضع آخر إلا أنه لا ينبغي ان يخرج عما قرأت به القراء لان القراءة سنة، فلا يجوز ان تحمل على ما يجوز في العربية حتى تنضم إليه الرواية. معنى قوله " كان لم يغنوا " أي كأن لم يقيموا فيها لانقطاع آثارهم بالهلاك وما بقي من اخبارهم الدالة على الخزي الذي نزل بهم، يقال غنى بالمكان إذا أقام به والمغاني المنازل قال النابغة:
غنيت بذلك إذ هم لك جيرة * منها بعطف رسالة وتودد (1)
واصل الغنى الاكتفاء فمنه الغنى بالمال والغناء الصوت الذي يتغنى به، والغناء الاكتفاء بحال الشئ وغنى بالمكان إذا أقام به، لاكتفائه بالإقامة فيه، والغانية الشابة المتزوجة. و (ألا) معناها التنبيه وهي الف استفهام دخلت على (لا) فالألف يقتضي معنى و (لا) ينفي معنى، فاقتضى الكلام بهما معنى التنبيه مع نفي الفعلية.
1- ديوانه: 65 ومجمع البيان 3: 178 وتفسير الطبري 15: 56، 465.