الآية 56

قوله تعالى: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾

هذه الآية فيها حكاية ما قال هود لقومه بعد ذكر ما قدم من القول فيه اني توكلت على الله. والتوكل تفويض الامر إلى الله تعالى على طاعته فيما امر به، لان ذلك من تسليم التدبير له، لأنه افعاله كلها جارية على ما هو أصلح للخلق. وقوله " ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها " معناه ليس من حيوان يدب الا وهو تعالى آخذ بناصيته اي قادر على التصرف فيه، وتصريفه كيف شاء. و (الناصية) قصاص الشعر ومنه قوله " فيؤخذوا بالنواصي والاقدام " (1) وفي جر الرجل بناصيته اذلال له. واصل الناصية الاتصال من قولهم: (مفازة بناصي مفازة) إذا كانت الأخيرة متصلة بالأولى قال الشاعر: فئ تناصيها بلاد فئ (2) وقال ذو الرمة: ينصو الجماهين (3) ونصوته انصوه نصوا إذا اتصلت به. وقال أبو النجم:

ان يمس رأسي اشمط العناصي * كأنما فرقه مناصي (4)

اي يجاذب ليتصل به في مره، وإنما قال اخذ بناصيتها مع أنه مالك لجميعها لما في ذلك من تصوير حالها على عادة معروفة من أمرها في اذلالها، فكل دابة في هذه المنزلة في الذلة لله تعالى. وقوله " ان ربي على صراط مستقيم " معناه أن أمر ربي في تدبير خلقه على صراط مستقيم لا عوج فيه ولا اضطراب، فهو يجري على سبيل الصواب لا يعدل إلى اليمين والشمال والفساد. والفائدة هنا ان ربي وإن كان قادرا على التصريف في كل شئ فإنه لا يفعل إلا العدل ولا يشاء الا الخير.


1- سورة الرحمن آية 41.

2- مجمع البيان 3: 169.

3- لم أجده.

4- اللسان (نصا) ومجمع البيان 3: 169.