الآية 48

قوله تعالى: ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

في هذه الآية حكاية ما أمر الله تعالى به نوحا حين استوت السفينة على الجبل، وأنه قال له " اهبط " أي انزل من الجبل، فالهبوط نزول من أعلى مكان في الأرض إلى ما دونه ومن السماء. وقوله " بسلام منا " قيل في معناه وجهان:

أحدهما: بسلامة منا وتحية منا، قال لبيد:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (1)

قيل: انه بمعنى السلام عليكما.

وقيل: معناه بتسليم منا عليك وقوله " وبركات عليك " معناه ونعم دائمة وخير ثابت حالا بعد حال، وأصله الثبوت، فمنه البروك، والبركة لثبوت النماء فيها قال الشاعر:

ولا ينجي من الغمرات إلا * براكاء القتال أو الفرار (2)

أي الثبوت للقتال. ومعنى تبارك الله ثبت تعظيم ما لم يزل ولا يزال. وقوله " وعلي أمم ممن معك " فالأمة الجماعة الكثيرة على ملة واحدة متفقة، لأنه من (أمه يؤمه أما) إذا قصده، أو الاتفاق في المنطق على نحو منطق الطير والمأكل والمشرب والمنكح، حتى قيل: إن الكلاب أمة. وقيل في معناه - هنا - قولان:

أحدهما: أنه أراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة، فأخرج الله أمما من نسلهم وجعل فيهم البركة.

وقال قوم: يعني بذلك الأمم من سائر الحيوان الذين كانوا معه، لان الله تعالى جعل فيها البركة، وتفضل عليها بالسلامة حتى كان منها نسل العالم. وقوله " وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم " معناه إنه يكون من نسلهم أمم سيمتعهم الله في الدنيا بضروب من النعم، فيكفرون نعمه ويجحدون ربوبيته، فيهلكهم الله. ثم يمسهم بعد ذلك عذاب مؤلم موجع. وإنما رفع (أمم) لأنه استأنف الاخبار عنهم.


1- ديوانه 2 / 1 واللسان " عذر ".

2- قائله بشر بن أبي خازم اللسان (برك).