الآية 73

قوله تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

هذه الآية عطف على ما تقدم، والتقدير وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا. وثمود اسم قبيلة، وقد جاء مصروفا وغير مصروف، فمن صرفه، فعلى أنه اسم لحي مذكر، ومن ترك صرفه، فعلى أنه اسم القبيلة، كما قال تعالى " ألا إن ثمود كفروا ربهم الا بعدا لثمود " (1) صرف الأول ولم يصرف الثاني. واختير ترك الصرف في موضع الجر، لأنه أخف. ويجوز في قوله " ما لكم من إله غيره " ثلاثة أوجه من العربية: الجر على اللفظ، والرفع على الموضع، وقد قرئ بهما، وقد بيناه فيما مضى، والنصب على الاستثناء والحال، ولم يقرأ به. ويجوز عند الفراء الفتح على البناء، لأنه أجاز ما جاءني غيرك، ومنع منه الزجاج. وقال: إنما يجوز ذلك إذا أضيف إلى غير متمكن إضافة غير حقيقية، كما قال الشاعر:

لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة في غصون ذات أو قال (2)

وقوله " أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " قد بيناه فيما مضى. وقوله " قد جاءتكم بينة من ربكم " فالبينة العلامة التي تفصل الحق من الباطل من جهة شهادتها به. والبيان هو إظهار المعنى للنفس الذي يفصله من غيره حتى يدركه على ما يقويه كما يظهر نقيضه، فهذا فرق بين البينة والبيان. وقوله " هذه ناقة الله لكم آية " فالناقة الأنثى من الجمال والأصل فيها التوطئة والتذليل من قولهم بعير منوق أي موطأ مذلل، وتنوق في العمل أي جوده كالموطأ المذلل. والناق الحز بين ألية الابهام وطرفها، لأنه وطأبه لقبض الكف وبسطها. وإنما قال " ناقة الله " لأنه لم يكن لها مالك سواه تعالى. ونصب " آية " على الحال. والآية هي البينة العجيبة بظهور الشهادة ولطف المنزلة. والآية والعبرة والدلالة والعلامة نظائر. والآية التي كانت في الناقة خروجها من صخرة ملساء تمخضت بها كما تتمخض المرأة ثم انفلقت عنها على الصفة التي طلبوها، وكان لها شرب يوم تشرب فيه ماء الوادي كله وتسقيهم اللبن بدله، ولهم شرب يوم يخصهم لا تقرب فيه ماءهم، في قول أبي الطفيل، والسدي وابن إسحاق. وقوله " فذروها " أي اتركوها " تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء " يعني بعقر أو نحر " فيأخذكم عذاب أليم " أي ينالكم عذاب مؤلم.


1- سورة 11 هود آية 68.

2- اللسان (وقل) وأو قال: جمع وقل، وهو ثمار شجر المقل.