الآية 56
قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾
نهى الله تعالى في هذه الآية عن الفساد في الأرض وهو الاضرار بما تمنع الحكمة منه يقال: أفسد الحر التفاحة إذا أخرجها إلى حال الضرر بالتغيير. والاصلاح النفع بما تدعو إليه الحكمة ولذلك لم تكن الآلام في النار إصلاحا لأهلها، لأنه لا نفع لهم فيها. وقال الحسن: إفساد الأرض بالقتل للمؤمنين والاعتداء عليهم. وقيل: إفساد الأرض العمل فيها بمعاصي الله، وإصلاحها العمل فيها بطاعة الله. وقوله " وادعوه خوفا وطمعا " أمر من الله تعالى لهم أن يدعوه خوفا وطمعا، وهما منصوبان على المصدر، وهما في موضع الحال. وتقديره ادعوا ربكم خائفين من عقابه طامعين في ثوابه. والخوف هو الانزعاج بما لا يؤمن، والامن سكون النفس إلى انتفاء المضار، والخوف يكون بالعصيان. والامن بالايمان. والطمع توقع المحبوب، ونقيضه اليأس وهو القطع بانتفاء المحبوب. وقوله " إن رحمة الله قريب من المحسنين " إخبار منه تعالى أن رحمته قريبة واصلة إلى المحسن. والاحسان هو النفع الذي يستحق به الحمد. والإساءة هي الضرر الذي يستحق به الذم. وقيل: المراد بالمحسنين من تكون أفعاله كلها حسنة وهذا لا يقتضيه الظاهر، بل الذي يفيده أن رحمة الله قريب إلى من فعل الاحسان، وليس فيها أنها لا تصل إلى من جمع بين الحسن والقبيح بل ذلك موقوف على الدليل. وقال الفراء: إنما لم يؤنث قوله " قريب " وهو وصف ل? (رحمة) لأنه ذهب مذهب المكان، وما يكون كذلك لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث. ولو ذهب به مذهب النسب أنث وثني وجمع قال عروة بن حزام:
عشية لا عفراء منك قريبة * فتدنوا ولا عفراء منك بعيد (1)
وقال الزجاج هذا غلط بل كل ما قرب من مكان أو نسب فهو جائز عليه التأنيث والتذكير. وجعله الأخفش من باب الصيحة والصياح، لان الرحمة والاحسان والانعام من الله واحد. وقال بعضهم المراد بالرحمة هاهنا المطر فلذلك ذكر.
1- ديوانه: 48، ومعاني القرآن للفراء 1 / 381 وتفسير الطبري 12 / 488 والبكري في شرح الأمالي 401 وتفسير أبي حيان 4 / 313 وقد روي: عشية لا عفراء منك بعيدة * فتسلو ولا عفراء منك قريب.