الآية 98

قوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ﴾

المعنى:

معنى (فلولا) هلا، وهي تستعمل على وجهين:

أحدهما: على وجه التحضيض.

والثاني: على وجه التأنيب كقولك: هلا يأتي زيد بحاجتك، وهلا امتنعت من الفساد الذي رغبت إليه. قال الشاعر:

تعدون عقر النيب أفضل مجدكم * بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا (1)

أي هلا تعدون الشجعان. وقوله " الا قوم يونس " نصب لأنه منقطع كما قال الشاعر:

أعيت جوابا وما بالربع من أحد * إلا الاواري لاياما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد (2)

وحكى الفراء: لا إن ما أبينهما وقال: جمع الشاعر بين ثلاثة أحرف في النفي (لا وان وما) وإنما جاز فلولا كانت قرية آمنت لان المراد أهل قرية فحذف اختصارا من غير اخلال بالمعنى. وقوله " فنفعها ايمانها " معناه هلا كانت أهل قرية آمنت في وقت ينفعها الايمان، وجرى هذا مجرى قول فرعون " حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت انه لا اله الا الذي " (3) فاعلم الله أن الايمان لا ينفع عند نزول العذاب ولا عند حضور الموت، وقوم يونس لم يقع بهم العذاب كأنهم لما رأوا الآية الدالة على العذاب آمنوا فلما آمنوا كشف عنهم العذاب. والنفع هو اللذة، ومعناه ههنا انه وجبت لهم اللذة بفعل ما يؤدي إليها كما أن الصلة بالمال نفع، لأنه يؤدي إلى اللذة، وكذلك أكل الطعام الشهي وتناول الكرية عند الحاجة نفع لأنه يؤدي إلى اللذة. والخزي هو الهوان الذي يفضح صاحبه ويضع من قدره. وقال الجبائي: المراد بأهل القرية - على قول كثير من أهل التأويل - ثمود الذين أهلكهم الله بكفرهم، والتقدير هلا أهل قرية سوى قوم يونس آمنوا فنفعهم ايمانهم وزال عنهم العذاب كما آمن قوم يونس لما أحسوا بنزول العذاب، فكشف الله عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعهم وبقاهم أحياء سالمين في الدنيا بعد توبتهم إلى مدة من الزمان. وهذا الذي ذكره إنما كان يجوز لو كان (إلا) قوم يونس) رفعا وكان يكون " الا قوم يونس " صفة أو بدلا من الأول لان المعنى إلا قوم يونس محمول على معنى هلا كان قوم قرية أو قوم نبي آمنوا الا قوم يونس، قال الزجاج: لم يقرأ أحد بالرفع، ويجوز في الرفع أن يكون بدلا من الأول، وإن لم يكن من جنس الأول كما قال الشاعر:

وبلدة ليس لها أنيس * لا اليعافير والا العيس (4)

وقال أبو عبيدة (الا) ههنا بمعنى الواو، والمعنى وقوم يونس. وقال الحسن معنى الآية انه لم يكن فيما خلا أن يؤمن أهل قرية بأجمعها حتى لا يشذ منهم أحد الا قوم يونس. فهلا كانت القرى كلها هكذا. وقرأ طلحة بن مصرف يونس ويوسف بكسر النون والسين أراد أن يجعل الاسمين عربيين مشتقين من أسف وأنس، وهو شاذ. فان قيل: قوله " كشفنا عنهم العذاب " يدل على نزول العذاب بهم فكيف ينفع مع ذلك الايمان، وهل ذلك الا ضد قوله " فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا " (5)؟قلنا: ليس يجب أن يكون العذاب نزل بهم بل لا يمتنع أن يكون ظهرت لهم دلائله وان لم يروا العذاب كما أن العليل المدنف قد يستدرك التوبة فيقبل الله توبته قبل ان يتحقق الموت، فإذا تحققه لم يقبل بعد ذلك توبته. وقد قال الله تعالى " وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها " (6) ولا يدل ذلك على أنهم كانوا دخلوا النار فأنقذوا منها فكذلك لا يمتنع أن يكون كشف عنهم العذاب وان لم يكن حل بهم ولا عاينوه إذا كان قد قرب منهم واستحقوه في الحكم.


1- انظر 1 / 319، 435.

2- مر هذا الشعر في 1 / 44، 151 و 3 / 327 و 4 / 191.

3- سورة 10 يونس آية 90.

4- مر تخريجه في 1 / 151 و 3 / 327.

5- سورة 40 المؤمن آية 85.

6- سورة 3 آل عمران آية 103.