الآية 35
الآية 35
قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
هذا خطاب من الله تعالى لجميع بني آدم المكلفين منهم أنه يبعث إليهم رسلا منهم يقصون عليهم آيات الله وحججه وبراهينه، وهو ما أنزله عليهم من كتبه ونصب لهم من أدلته. وقوله " إما " أصله (إن) حرف الشرط دخلت عليه (ما) ولدخولها دخلت النون الثقيلة في (يأتينكم) ولو قال: إن يأتينكم، لم يجز، وإنما كان كذلك، لان (ما) جعلته في حكم غير الواجب، لأنه ينزل منزلة ما هو غير كائن حتى احتيج معه إلى القسم مع خفاء أمره من جهة المستقبل، ولم يجز دخول النون على الواجب في مثل هو، هون، لأن هذه النون تؤذن بأن ما دخلت عليه قد احتاج إلى التأكيد لخفاء أمره من جهة المستقبل. وانه غير واجب لخفاء أمره من هاتين الجهتين، لأجله احتاج إلى نون التأكيد. وإنما قال " رسل منكم " بلفظ الجمع، وإنما أتى هؤلاء رسول منهم لأنه على تقدير يأتين لكل أمة، فصار كأنه خطاب لجميع المكلفين. وجواب (إن) يحتمل أن يكون أحد أمرين:
أحدهما: أن يكون قوله " فمن اتقى " منكم " وأصلح " لان التفصيل يقتضي منكم.
الثاني: أن يكون محذوفا يدل الكلام عليه كأنه قال فأطيعوهم. وقوله " يقصون " فالقصص وصل الحديث بالحديث في وصل الحديث الممتنع بحديث مثله. وقوله " فمن اتقى وأصلح " معناه فمن اتقى منكم وأصلح " فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " وظاهر الآية يدل على أن من اتقى معاصي الله واجتنبها، وأصلح بأن فعل الصالحات، لا خوف عليهم في الآخرة - وهو قول الجبائي - وقال أبو بكر بن الاخشيد: لا يدل على ذلك، لان الله تعالى قال في وصفه يوم القيامة " يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى " (1) وإنما هو كقول الطبيب للمريض لا بأس عليك، ولا خوف عليك، ومعناه أن أمره يؤول إلى السلامة والعافية. والأول أقوى، لأنه الظاهر غير أن ذلك يكون لمن اتقى جميع معاصي الله، فأما من جمع بين الطاعات والمعاصي فان خوفه من عقاب الله على معاصيه لا بد منه، لأنا لا نقطع على أن الله تعالى يغفر له لا محالة، ولا نقول بالاحباط فنقول ثواب إيمانه أحبط عقاب معاصيه، فإذا اجتمعا فلا بد من أن يخاف من وصول العقاب إليه. ومن قال لفظة " اتقى " لا تطلق إلا للمؤمن من أهل الثواب، لأنها صفة مدح، فلابد من أن يكون مشروطا بالخلوص مما يحبطه، فما ذكروه أولا صحيح نحن نعتبره، لان المتقي لا يكون إلا مؤمنا مستحقا للثواب، غير أنه ليس من شرطه ألا يكون معه شئ من العقاب، بل عندنا يجتمعان، فلا يستمر ما قالوه.
1- سورة 22 الحج آية 2.