الآية 75
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾
هذا اخبار من الله تعالى انه - بعد ارسال من أرسل من الأنبياء بعد نوح واهلاك قومه وما ذكره من أنهم لم يؤمنوا به وانه طبع على قلوبهم عقوبة لهم على ذلك - بعث أيضا بعدهم موسى وهارون عليهما السلام نبيين مرسلين " إلى فرعون وملائه " يعني رؤسا قومه " بآياتنا " اي بأدلتنا وحججنا وانهم استكبروا عن الانقياد لها والايمان بها " وكانوا قوما مجرمين " في ذلك مستحقين للعقاب الدائم. والملاء الجماعة الذين هم وجوه القبيلة مأخوذ من أنهم تملأ الصدور هيبتهم عند منظرهم. ومنه قوله صلى الله عليه وآله في قتلى بدر (أولئك الملاء من قريش). والاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق فأما المتكبر في أوصاف الله فهو الظاهر، فان له أعلى مراتب الكبر، وهو صفة ذم في العباد ومدح في صفة الله تعالى. والاجرام اكتساب السيئة وهي صفة ذم. واصل الاجرام القطع يقال: جرم التمر يجرمه جرما فهو جارم والجمع جرام إذا صرمه، وزمن الجرام زمن الصرام. وتجرمت السنة إذا انصرمت. وفلان جريمة أهله اي كاسبهم. وقوله " لا جرم ان لهم النار " (1) اي لابد لهم النار قطعا قال الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة * جرمت فزارة بعدها ان يغضبوا (2)
اي حملتهم على الغضب بقطعها إياهم. وانجرم الجسيم، والجرم الصوت، والجرم الذنب. ووزن (موسى) مفعل وهو محمول على قياس العربية فزيادة الميم أولا أكثر من زيادة الألف أخيرا وكذلك زيادة همزة الفعل في افعل لهذه العلة.
1- سورة 16 النحل آية 62.
2- مر تخريجه في 3 / 423.