الآية 33
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾
لما أنكر تعالى على من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، وذكر أنه أباح ذلك للمؤمنين في دار الدنيا بين عقيب ذلك ما حرمه عليهم، فقال " قل " يا محمد " إنما حرم ربي الفواحش " ومعناه لم يحرم ربي إلا الفواحش، لأنا قد بينا أن (إنما) تدل على تحقيق ما ذكر، ونفي ما لم يذكر. والتحريم هو المنع من الفعل بإقامة الدليل على وجوب تجنبه، وضده التحليل، وهو الاطلاق في الفعل بالبيان عن جواز تناوله. وأصل التحريم المنع من قولهم: حرم فلان الرزق، فهو محروم حرمانا، وحرم الرجل إذا لج في الشئ بالامتناع منه، وحرمه تحريما، وأحرم بالحج إحراما وتحرم بطعامه تحرما، واستحرمت الشاة إذا طلبت الفحل، لأنها تتبعه كما تتبع الحرمة البعل، والحرم مكة وما حولها مما هو معروف، وأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، والمحرم القرابة التي لا يحل تزوجها، وحريم الدار ما كان من حقوقها، والمحرم السوط الذي لا يلين لأنه حرام أن يضرب به حتى يلين. والفواحش جمع فاحشة، وهي أقبح القبائح. وهي الكبائر. وقوله " ما ظهر منها وبطن " يعني ما علن وما خفي. وقد قدمنا اختلاف المفسرين في ذلك، وإنما ذكر مع الفواحش هذه القبائح، وهي داخلة فيها لاحد أمرين:
أحدهما: للبيان عن التفصيل، كأنه قيل الفواحش التي منها الاثم، ومنها البغي، ومنها الاشراك بالله.
الثاني: ان الفواحش - هاهنا - الزنا وهو الذي بطن، والتعري في الطواف، وهو الذي ظهر - في قول مجاهد - وقال قوم: الاثم هو الخمر، وما ظهر الزنا، وما بطن هو نكاح امرأة الأب، والاثم يعم جميع المعاصي، وأنشد ابن الأنباري في أن الاثم هو الخمر:
شربت الاثم حتى ضل عقلي * كذاك الاثم يصنع بالعقول (1)
وقال الفراء: الاثم ما دون الحد، والبغي هو الاستطاعة على الناس، وحده طلب الترأس بالقهر من غير حق. وأصل البغي الطلب، تقول: هذه بغيتي أي طلبتي، وأبتغي كذا ابتغاء. وما تبغي؟أي ما تطلب، وينبغي كذا أي هو الأولى أن يطلب. وقوله " ما لم ينزل به سلطانا " السلطان الحجة - في قول الحسن وغيره - ومثله البرهان والبيان والفرقان، وحدودها تختلف، فالبيان إظهار المعنى للنفس كاظهار نقيضه، والبرهان إظهار صحة المعنى وفساد نقيضه، والفرقان إظهار تميز المعنى مما التبس به. والسلطان إظهار ما يتسلط به على نقيض المعنى بالابطال. و " أن تقولوا على الله ما لا تعلمون " أي وحرم عليكم ذلك، وذلك يدل على بطلان التقليد، لان المقلد لا يعلم صحة ما قلد فيه.
1- اللسان (أثم).