الآية 28
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾
الكناية في قوله " فعلوا فاحشة " كناية عن المشركين، الذين كانوا يبدون سوآتهم في طوافهم: النساء والرجال الحمس خاصة، وله خبر طويل - في قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي والسدي، وقالت العامرية:
اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله (1)
قال الفراء: كانوا يعملون ستا من سور مقطعة يشدون على حقوهم فسمي حوقا، وإن عمل من صوف سمي رهطا. وقال الحسن وأبو علي: هي كناية عن عبدة الأوثان وفواحشهم الشرك بالله والكفر بنعمه. والفاحشة ما عظم قبحه في قول الزجاج، يقال فحش يفحش فحشا، ولا يقال في الصغيرة - عند من قال بها - فاحشة، وإن قيل فيها: إنها قبيحة، كما لا يقال في القوم فاحش، وإن قيل: قبيح. أخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفار أنهم " إذا فعلوا فاحشة " وارتكبوا قبيحا اعتذروا لنفوسهم بأن قالوا: وجدنا آباءنا يفعلونها. قال الحسن: وإنما دعاهم إلى هذا القول، لان أهل الجاهلية كانوا أهل اجبار، وقالوا: لو كره الله ما نحن عليه من هذا الدين لنقلنا عنه، فهو قوله " والله أمرنا بها " وقال غيره: إنهم توهموا أن آباءهم لم يفعلوا ذلك إلا وهو من قبل الله. وإنما قال آباؤهم بسببه فحينئذ رد الله عليهم قولهم بأن قال " إن الله لا يأمر بالفحشاء " ثم قال على وجه الانكار " أتقولون على الله ما لا تعلمون " ؟! لأنهم ان قالوا لا، نقضوا مذهبهم، وإن قالوا: نعم، افتضحوا في قولهم وقال الزجاج: معنى " أتقولون على الله " أتكذبون عليه ؟! وفي الآية حجة على أصحاب المعارف، وأهل التقليد، لأنه ذم الفريقين، ولو كان الامر على ما يقولون لما توجه عليهما الذم!. فإن قيل: إنما أنكر الله قولهم: إن الله أمرنا بها، ولا يدفع ذلك أن يكون مريدا لها، لان الامر منفصل من الإرادة. قلنا: الامر لا يكون أمرا إلا بإرادة المأمور به، فما أراده فقد رغب فيه ودعا إليه فاشتركا في المعنى.
1- تفسير الطبري: 12 / 377، 389، 390، 391، 393 ومعاني القرآن للفراء 1 / 377.