الآية 26
قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾
القراءة:
قرأ أهل المدينة، وابن عامر والكسائي " ولباس التقوى " بالنصب. الباقون بالرفع، ومن نصب حمله على (انزل) من قوله " قد أنزلنا عليكم لباسا، ولباس التقوى " وأنزلنا ههنا مثل قوله " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد " (1) ومثل قوله " وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج " (2) أي خلق. وإنما قال " أنزلنا عليكم لباسا " لاحد أمرين:
أحدهما: لأنه ينبت بالمطر الذي ينزل من السماء، في قول الحسن والجبائي.
الثاني: لان البركات تنسب إلى أنها تأتي من السماء كقوله " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد " (3) وقوله " ذلك " على هذا مبتدأ وخبره (خير)، ومن رفع قطع اللباس من الأول واستأنف، فجعله مبتدأ وجعل قوله " ذلك " صفة له أو بدلا أو عطف بيان. ومن قال " ذلك " لغو فقد أخطأ، لأنه يجوز أن يكون على أحد ما قلناه، و (خير) خبر ل? (لباس) وتقديره لباس التقوى خير لكم إذا أخذتم به وأقرب لكم إلى الله مما خلق لكم من اللباس والرياش الذي يتجمل به، وأضيف اللباس إلى التقوى كما أضيف في قوله " فأذاقها الله لباس الجوع والخوف " (4) إلى (الجوع). وهذه الآية خطاب من الله تعالى لأهل كل زمان من المكلفين على ما يصح ويجوز من وصول ذلك إليهم، كما يوصي الانسان لولده وولد ولده - وان نزلوا - بتقوى الله وايثار طاعته، ويجوز خطاب المعدوم بمعنى أن يراد بالخطاب إذا كان المعلوم أنه سيوجد وتتكامل فيه شروط التكليف، ولا يجوز أن يراد من لا يوجد لان ذلك عبث لا فائدة فيه. واللباس كلما يصلح للبس من ثوب أو غيره من نحو الدرع، وما يغشى به البيت من نطع أو كسوة. واصله المصدر تقول: لبسه يلبسه لبسا ولباسا، ولبسا - بكسر اللام - قال الشاعر:
فلما كشفن اللبس عنه مسحنه * بأطراف طفل زان غيلا موشما (5)
الغيل الساعد، ووصفها بلطف الكف. (والريش): ما فيه الجمال، ومنه ريش الطائر، وقيل أصله المصدر من راشه يريشه، وقد تريش فلان أي صار له ما يعيش به، قال الشاعر أنشده سيبويه:
وريشي منكم وهو اي معكم * وإن كنت زيارتكم لماما (6)
وقال سعيد الجهني الرياش المعاش. وقال الزجاج: الريش اللباس يقولون: أعطيت الرجل فريشته أي كسوته، وجمعه رياش. قال مجاهد: وإنما ذكر اللباس - ههنا - لان المشركين كانوا يتعرون في الطواف حتى تبدو سوآتهم باغواء الشياطين، كما أغوي أبويهم قبل هذا الاغواء. وقوله " يواري سوآتكم " معناه يستر ما يسوءكم انكشافه من الجسد، لان السوءة ما يسوء انكشافه من الجسد، والعورة ترجع إلى النقيصة في الجسد قال الشاعر:
خرقوا جيب فتاتهم * لم يبالوا سوءة الرجله (7)
ولباس التقوى فيه خمسة أقوال:
أحدها: قال ابن عباس: هو العمل الصالح.
الثاني: قال قتادة والسدي وابن جريج هو الايمان.
الثالث: قال الحسن: هو الحياء الذي يكسبكم التقوى.
الرابع: قال الجبائي: هو الذي يقتصر عليه من أراد التواضع والنسك في العبادة من لبس الصوف والخشن من الثياب.
الخامس: قال الرماني: هو العمل الذي يقي العقاب، وفيه الجمال مثل جمال الناس من الثياب. وقال الحسين بن علي المغربي " لباس التقوى " يعني الذي كان عليكما في الجنة خير لكم بدلالة قوله " ذلك " وهي للبعيد. وقوله " ذلك من آيات الله " معناه إن الذي فعلناه بكم من حجج الله التي دلتكم على توحيده من الله " لعلهم يذكرون " معناه لكي يتفكروا فيها ويؤمنوا بالله وبرسوله.
1- سورة 57 الحديد آية 25.
2- سورة 39 الزمر آية 6.
3- وسورة 57 الحديد آية 25.
4- سورة 16 النحل آية 112.
5- قائله " حميد بن ثور الهلالي " ديوانه 14 ومعاني القرآن 1 / 375 وتفسير الطبري 12 / 364 واللسان (لبس)، (طفل).
6- كتاب سيبويه 2 / 45 نسبه إلى الراعي.
7- اللسان (رجل) والكامل للمبرد 1 / 165 وتفسير الطبري 12 / 361 وشرح الحماسة 1 / 117.