الآية 61

قوله تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾

القراءة:

قرأ الكسائي " يعزب " بكسر الزاي هنا وفي سبأ. الباقون بضمها، وهما لغتان. وإن كان الضم أفصح وأكثر. وقرأ حمزة وخلف ويعقوب " ولا أصغر.. ولا أكبر " بالرفع فيهما. الباقون بفتحهما. فمن فتح الراء فلان (افعل) في الموضعين في موضع جر، لأنه صفة المجرور الذي هو قوله " مثقال ذرة " وإنما فتح، لان (افعل) إذا اتصل به منكر كان صفة لا تنصرف في النكرة. ومن رفعه حمله على موضع الموصوف، لان الموصوف الذي هو " من مثقال ذرة " الجار والمجرور في موضع رفع، كما كانا في موضعه في قوله " كفى بالله " (1) ومثل قوله " من إله غيره " (2) فمن رفع يجوز أن يكون صفة بمنزلة (مثل) ويجوز أن يكون استثناء كما تقول: مالكم من إله الا الله. ومثله " فاصدق واكن من " (3) وغير ذلك. ويجوز أن يعطف قوله " ولا أصغر " على " ذرة " فيكون التقدير وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا مثقال أصغر، فعلى هذا لا يجوز الا الجر لأنه لا موضع للذرة غير لفظها، كما كان لقولك من مثقال ذرة موضع غير لفظه. ولا يجوز على قراءة حمزة أن يكون معطوفا على (ذرة) كما جاز في قول الباقين لأنه إذا عطف على (ذرة) وجب أن يكون أصغر مجرورا، وإنما فتح، لأنه لا ينصرف وكذلك يكون على قول من عطفه على الجار الذي هو (من). معنى قوله " وما تكون في شأن " ليس تكون في حال من الأحوال، لان الشأن والبال الحال نظائر وجمعه شؤون. والشأن معنى مفخم على طريق الجملة يقال: ما شأنك وما حالك وما بالك. وقوله " وما تتلو منه من قرآن " اي وليس تتلو من القرآن، فتكون الهاء كناية عن القرآن قبل الذكر لتفخيم ذكر القرآن، كما قال " إنه أنا الله العزيز الحكيم " (4) ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على الشأن وتقديره وما يكون من الشأن. وقوله " وما تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا " اي ليس يخفى على الله شئ من اعمالكم بل يعلمها كلها ويشهدها. والمشاهدة الادراك بالحاسة. والمشاهد المدرك بحاسة اي ذات يعني عن حاسة يقال: شاهد وشهود وشهداء. وقوله " إذ تفيضون فيه " فالإضافة الدخول في العمل على جهة الانصباب إليه، وهو الانبساط إليه في العمل مأخوذ من فيض الاناء إذا انصب من جوانبه. ومنه قوله " أفضتم من عرفات " (5) اي تفرقتم كتفرق الماء الذي ينصب من الاناء. ومثله أفاض الماء عليه وأفاض في الحديث وقوله " وما يعزب عن ربك " فالعزوب الذهاب عن المعلون وضده حضور المعنى للنفس. وتعزب إذا انفرد عن أهله. وقال ابن عباس معنى لا يعزب لا يغيب. وقوله " من مثقال ذرة " فالذر صغار النمل واحده ذرة، وهو خفيف الوزن جدا. ومعنى مثقال ذرة وزن ذرة يقال: خذ هذا فإنه أخف مثقالا اي أخف وزنا. وقوله " ولا أصغر من ذلك ولا أكبر الا في كتاب مبين " معناه لا يخفى عليه ما وزنه مثقال ذرة ولا ما هو أصغر منها ولا ما هو أكبر الا وقد بينه في الكتاب المحفوظ وكتبته ملائكته وحفظوه.


1- سورة 4 النساء آية 5، 44، 69، 78، 80، 131، 165، 170، ويونس آية 29 والرعد 45 والأسرى 96، والعنكبوت 52، والأحزاب 3، 48 والفتح 28.

2- سورة 11 هود آية 50، 61، 83 وسورة 23 المؤمنون آية 23، 32.

3- سورة 63 المنافقون آية 10.

4- سورة 27 النمل آية 9.

5- سورة 2 البقرة آية 198.