الآية 24

قوله تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ﴾

اختلفوا في المعنى بهذه الآية، فقال السدي وأبو علي الجبائي وأبو بكر ابن الاخشيد: ان المراد بالخطاب آدم وحواء وإبليس، جمع بينهم في الذكر، وإن كان الخطاب لهم وقع في أوقات متفرقة، لان إبليس امر بالهبوط حين امتنع من السجود، وآدم وحواء حين أكلا من الشجرة، وانتزع لباسهما. وقال أبو صالح: الخطاب متوجه إلى آدم وحواء والحية. وقال الحسن - قولا بعيدا من الصواب - وهو ان المراد به آدم وحواء والوسوسة، وهذا قول منعزب عنه، لان الوسوسة لا تخاطب. والهبوط هو النزول بسرعة، والبعض هو أحد قسمي العدة، وأحد قسمي العشرة بعضها، واحد قسمي الاثنين بعضهما ولا بعض للواحد، لأنه لا ينقسم. وقوله " بعضكم لبعض " أضاف (البعض) إلى جملة هو منها، ولا يجوز ان يضاف (غير) إلى جملة هو منها، لان إضافة (غير) إلى الجملة والتفصيل لصحة أن يكون لكل واحد غير، وليس كذلك بعض، لأنه لا يصح أن يكون لكل واحد بعض فأضافته إلى الجملة فقط. والعدو ضد الولي، ومن صفة العدو انه مراصد بالمكاره. ومن صفة الولي انه مراصد بالمحاب. وقال الرماني: العدو هو النائي بنصرته في وقت الحاجة إلى معونته، والولي هو الداني بنصرته في وقت الحاجة إلى معونته. وقوله " ولكم في الأرض مستقر " فالمستقر قيل في معناه قولان:

أحدهما: قال أبو العالية: هو موضع استقرار.

الثاني: انه الاستقرار بعينه، لان المصدر يجئ على وزن المفعول نحو و " ندخلكم مدخلا كريما " (1) أي ادخالا كريما قال الشاعر:

أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا * وانجو إذا غم الجبان من الكرب (2)

وقوله " ومتاع إلى حين " فالمتاع الانتفاع بما فيه عاجل استلذاذ، لان المناظر الحسنة يستمتع بها لما فيها من عاجل اللذة. والحين الوقت، قصيرا كان أو طويلا، الا انه قد استعمل على طول الوقت - ههنا - وليس بأصل فيه كقول القائل: ما لقيته منذ حين قال الشاعر:

وما مزاحك بعد الحلم والدين * وقد علاك مشيب حين لا حين (3)

أي وقت لا وقت، وقال البلخي " إلى حين " معناه إلى القيامة.

1- سورة 4 النساء آية 30.

2- قائله كعب بن مالك. اللسان (قتل).

3- قائله جرير. ديوانه: 586 وسيبويه 1 / 358 ومجاز القرآن 1 / 212 وتفسير الطبري 12 / 359. ورواية الديوان وسيبويه (ما بال جهلك بعد الحلم والدين).