الآية 58
قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾
القراءة:
قرأ الحسن " فلتفرحوا " بالتاء. وبه قرأ أبو جعفر المدني ورويس وروي ذلك عن أبي بن كعب. الباقون بالياء. وكان الكسائي يعيب القراءة بالتاء وأجازها الفراء واحتج بقولهم: لتأخذوا مصافكم. واللام في قوله " فليفرحوا " لام الامر وإنما احتيج إليها ليؤمر الغائب بها. وقد يجوز أن يقع في الخطاب للتصرف في الكلام. وقرأ أبو جعفر وابن عامر ورويس " تجمعون " بالتاء. الباقون بالياء. قال أبو علي: الجار في قوله " فبذلك يتعلق بقوله " فليفرحوا " لان هذا الفعل يصل به قال الشاعر: فرحت بما قد كان من سيديكما (1) والفاء في قوله " فبذلك فليفرحوا " زائدة لان المعنى فافرحوا بذلك ومثله قول الشاعر: فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي (2) فالفاء في قوله فاجزعي زيادة مثل التي في " فليفرحوا " وقال الفراء " فبذلك " بدل من قوله " بفضل الله وبرحمته ". ومن قرأ بالياء جعله أمرا للغائب، واللام إنما تدخل على فعل الغائب لان المواجهة استغني فيها عن اللام بقولهم (افعل) فصار مشبها للماضي في قولك (يدع) الذي استغني عنه ب? (ترك)، ولو قلت بالتاء لكنت مستعملا لما هو كالمرفوض، وإن كان الأصل. ولا يرجح القراءة بالتاء لكونها هي الأصل لأنه أصل مرفوض. ومن قرأ بالتاء اعتبر الخطاب الذي قبله من قوله " قد جاءتكم موعظة.. فلتفرحوا " وزعموا أنها في قراءة أبي فافرحوا قال أبو الحسن: وزعموا انها لغة وهي قليلة بمعنى لتضرب، وأنت تخاطب. فان قيل: كيف جاء الامر للمؤمنين بالفرح، وقد ذم الله ذلك في مواضع من القرآن كقوله " إن الله لا يحب الفرحين " (3) وقال " إنه لفرح فخور " (4) وغير ذلك؟. قيل: أكثر ما جاء مقترنا بالذم من ذلك ما كان مطلقا، فإذا قيد لم يكن ذما كقوله " يرزقون فرحين " (5) وفي الآية مقيد بذلك. فأما قوله " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله " (6) فإنه مقيد ومع ذلك فهو مذموم، لكنه مقيد بما يقتضي الذم، كما جاء مقيدا بما لا يقتضي الذم وإن قيد بما يقتضي ومقيده بحسب ما يقيد به، فان قيد بما يقتضي الذم، أفاد الذم وإن قيد بما يقتضي المدح أفاد المدح. فأما قوله " فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم " (7) وقوله " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله " (8) والفرح بنصر الله للمؤمنين محمود، كان ان القعود عن رسول الله بالتقييد في الموضعين مذموم. امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول للمكلفين افرحوا بفضل الله، وهو زيادة نعمه وإنما جاز أن يقول: فضل الله، وإنما هو من أفضال الله، لأنه في موضع أفضال، كما أن النبات في موضع إنبات في قوله " أنبتكم من الأرض نباتا " (9) وأيضا فان إضافة الفضل إلى الله بمعنى الملك كما يضاف العبد إليه بمعنى انه مالك له. والفرح لذة في القلب بادراك ما يحب، وان شئت قلت: هو لذة في القلب بنيل المشتهى، وقد حسنه الله في هذه الآية فدل على أنه لا يحب الفرحين بمعنى البطرين. وقوله " هو خير مما يجمعون " قيل فضل الله هو القرآن، ورحمته هو الاسلام " خير مما يجمعون " من الذهب والفضة. ذكره ابن عباس وأبو سعيد الخدري والحسن وقتادة ومجاهد. ومن قرأ بالياء عنى به المخاطبين والغيب، غير أنه غلب الغيب على المخاطبين، كما غلب التذكير على التأنيث، فكأنه أراد به المؤمنين وغيرهم. ومن قرأ بالتاء كان المعنى فافرحوا بذلك أيها المؤمنون اي افرحوا بفضل الله، فان ما آتاكموه من الموعظة شفاء ما في الصدور خير مما يجمع غيركم من اعراض الدنيا. وقال أبو جعفر عليه السلام " بفضل الله " يعني الاقرار برسول الله و " برحمته " الائتمام بعلي عليه السلام " خير مما " يجمع هؤلاء من الذهب والفضة. وإذا حملت الآية على عمومها كان هذا أيضا داخلا فيها.
1- قائله زهير ابن أبي سلمى ديوانه: 109.
2- قد مر في 5 / 174.
3- سورة 28 القصص آية 76.
4- سورة 11 هود آية 10.
5- سورة 3 آل عمران آية 170.
6- سورة 9 التوبة آية 82.
7- سورة 40 المؤمن آية 83.
8- سورة 30 الروم آية 4 - 5.
9- سورة 71 نوح آية 17.