الآية 22

الآية 22

قوله تعالى: ﴿فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾

المعنى:

معنى قوله " فدلاهما " حطهما إلى الخطيئة بغرور، ومنه قولهم: فلان يتدلى إلى الشر، لان الشر سافل والخير عال. وقيل: دلاهما من الجنة إلى الأرض بغرور. الغرور إظهار النصح مع ابطان الغش، وأصله الغر: طي الثوب يقال: اطوه على غره أي على كسر طيه، وقال الشاعر:

كأن غر متنه إذ نجنبه * سير صناع في خريز تكلبه (1)

فالغرور بمنزلة الغر لما فيه من اظهار حال واخفاء حال، ومنه الغرر لخفاء ما لا يؤمن فيه. والغر الذي لم يجرب الأمور، لأنها تخفى عليه. والغرة الاخذ على غفلة. والغرارة الوعاء، لأنها تخفي ما فيها. والأغر الأبيض لظهور الثوب في غره، ومنه الغرة في الجبهة. وقوله " فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما " أي ظهرت عورتاهما، ولم يكن ذلك على وجه العقوبة، لان الأنبياء لا يستحقون العقوبة، وإنما كان ذلك لتغير المصلحة، لأنهما لما تناولا من الشجرة اقتضت المصلحة اخراجهما من الجنة ونزعهما لباسهما الذي كان عليهما، واهباطهما إلى الأرض، وتكليفهما فيها. وقوله " وطفقا " قال ابن عباس: معنى طفق جعل يفعل، ومثله قولهم: ظل يفعل واخذ يفعل وابتدأ يفعل، فقد يكون ذلك بأول الفعل وقد يكون بالقصد إلى الفعل، ويقال: طفق يطفق وطفق يطفق طفقا. وقوله " يخصفان عليهما من ورق الجنة " معناه يقطفان من ورق الجنة ليستترا به، ويحوزان بعضه إلى بعض، ومنه المخصف: المثقب الذي يخصف به النعل، والخصاف الذي يرفع النعل قال الشاعر:

واسعى للندى والثوب جرد * محاسرة وفى نعلي خصاف

يعني ترقيع، وقال الأعشى:

قالت أرى رجلا في كفه كتف * أو يخصف النعل لهفي آية صنعا (2)

ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله (خاصف النعل في الحجرة) يعني عليا (ع). والاخصاف سرعة العدو، لأنه يقطعه بسرعة. والخصف ثياب غلاظ جدا، لأنه يعسر قطعها لغلظها. وكان الحسن يقرأ " يخصفان " بمعنى يختصفان. وقوله " من ورق الجنة " قيل: انه من ورق التين. واصل الورق ورق الشجرة، ومنه الورق اسم الدراهم. والورقة سواد في غبرة كأنه كلون الورق الذي بهذه الصفة، وحمامة ورقاء. وفي ذلك دلالة على أن ستر العورة كان واجبا في ذلك الوقت. وقوله " " وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة " حكاية عما قال الله تعالى لادم وحواء - بعد ان بدت سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الشجر - أليس كنت نهيتكما عن تلكما الشجرة، وإنما قال " تلكما " لأنه خاطب اثنين وأشار إلى الشجرة، فلذلك قال (تلكما) و " أقل لكما " عطف على " أنهكما " فلذلك جزمه " ان الشيطان لكما عدو مبين " يعني ظاهر العداوة. وقد بينا ان آدم لم يرتكب قبيحا وان ما توجه إليه بصورة النهي كان المراد به ضربا من الكراهة دون الحظر، وإنما قلنا ذلك لقيام الدلالة على عصمتهما من سائر القبائح صغائرها وكبائرها، فعلى هذا لا يحتاج ان نقول: انهما تأولا فأخطئا، على ما قال البلخي والرماني، أو وقع منهما سهو أعلى ما قاله الجبائي.

1- قائله (دكين بن رجاء الفقيمي) اللسان (كلب) و " غرمتنه " ما تثنى من جلده و (سير صناع) أي سير متصنع به من كثر الخرز فيه.

2- ديوانه: 83 القصيدة 13.