الآية 19

قوله تعالى: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾

في هذه الآية حكاية خطاب الله تعالى لادم وأمره إياه أن يسكن هو وزوجه حواء الجنة. واختلفوا في الجنة التي أسكن الله آدم فيها. فقال قوم: إنها جنة الخلد، لان الجنة إذا أطلقت معرفة بالألف واللام لا يعقل منها في العرف إلا جنة الخلد، كما أن السماوات والأرض إذا أطلق لم يعقل منه إلا السماوات المخصوصة دون سقف البيت. وقوله " وزوجك " إنما جاء به على لفظ التذكير، لان الإضافة أغنت عن ذلك وأبانت عن المعنى، فكان الحذف أحسن، لأنه أوجز يقال: لصاحب المنزل ساكن فيه، وإن كان يتحرك فيه أحيانا للتغليب، لان سكونه فيه أكثر، بجلوسه ونومه في ليله. وغير ذلك من أوقاته، وأباح الله تعالى لهما أن يأكلا من حيث شاءا، وأين شاءا ما شاءا، ونهاهما على وجه الندب ألا تقربا هذه الشجرة. وعندنا إن ذلك لم يكن محرما عليهما بل نهاهما نهي تنزيه دون حظر وبالمخالفة فاتهما ثواب كثير، وإن لم يفعلا بذلك قبيحا، ولا أخلا بواجب. ومن خالفنا قال أخطأ في ذلك على خلاف بينهم بأن ذلك صغيرة أو كبيرة. ومن قال كانت صغيرة،

منهم من قال: وقع ذلك منه سهوا ونسيانا. ومنهم من قال: وقع ذلك تأويلا من حيث نهي عن جنس الشجر، فحمله على شجرة بعينها، فأخطأ في التأويل. وقد بينا فساد ذلك فيما مضى (1). وقوله " فتكونا من الظالمين " يحتمل أن يكون نصبا على جواب النهي.

الثاني: أن يكون جزما عطفا على النهي، فكأنه قال لا تقربا هذه الشجرة، ولا تكونا من الظالمين. ومعنى " الظالمين " على مذهبنا المراد به الباخسين نفوسهم ثوابا كثيرا، والمفوتين نعيما عظيما. ومن قال: إنهما ارتكبا قبيحا قال: ظلما أنفسهما بارتكاب القبيح. وعلى مذهب من يقول بأن ذلك كانت صغيرة وقعت مكفرة لابد أن يحمل الظلم ههنا على نقصان الثواب الذي انحبط بمقارنة الصغيرة له، فأبو علي: ذهب إلى أن ذلك وقع منه نسيانا. وقال البلخي وقع منه تأويلا، لأنه نهي عن جنس الشجرة فتأوله على شجرة بعينها، وهذا خطأ، لان ما يقطع سهوا أو نسيانا لا يحسن المؤاخذة به. وأما الخطأ في التأويل فقد زاد من قال ذلك قبيحا آخر. أحدهما ارتكاب المنهي. والثاني الخطأ في التأويل به.

1- في المجلد الأول ص 160 - 164.