الآيات 14-15

قوله تعالى: ﴿قَالَ أَنظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ﴾

في الآية الأولى حكاية عن إبليس أنه سأل الله تعالى أن ينظره. والانظار الامهال إلى مدة فيها النظر في الامر طال أمر قصر. والانظار والامهال والتأخير والتأجيل نظائر في اللغة، وبينها فرق. وضد الامهال الاعجال. وأصل الانظار المقابلة، وهي المناظرة. و (الجبلان يتناظران) أي يتقابلان، ونظر إليه بعينه أي قابله لينظر له ونظر إليه بيده، ليظهر له حال في اللين والخشونة أو الحرارة والبرودة. وقوله " إلى يوم يبعثون " مدة للانظار الذي طلبه. والبعث الاطلاق في الامر، والانبعاث الانطلاق. والبعث والحشر والنشر والجمع نظائر. ويجوز في " يوم يبعثون " ثلاثة أوجه من العربية:

الأول: بالجر وترك التنوين على الإضافة، والجر مع التنوين على الصفة. والفتح وترك التنوين على البناء. وليس بالوجه، لان الفعل معرب. والوجه في مسألة إبليس الانظار - مع علمه أنه مطرود ملعون مسخوط عليه - علمه بأن الله يظاهر إلى عباده بالاحسان، ويعمهم بفضله وإنعامه، فلم يصرف ارتكابه المعصية وإصراره على الخطيئة عن المسألة طامعا في الإجابة، وعن انس من بلوغ المحبة. وقيل في قوله " قال إنك من المنظرين " هل فيه إجابة إلى ما التمسه أم لا؟فقال السدي وغيره: إنه لم يجبه " إلى يوم يبعثون " لأنه يوم القيامة، وهو يوم بعث لا يوم موت، ولكن انظر إلى يوم الوقت المعلوم، كما ذكره في سورة أخرى (1). ويقوي ذلك قوله " إنك من المنظرين " وليس لاحد أن ينظر أحدا إلى يوم القيامة على هذا المعنى.

الثاني: أنه سأل تأخير الجزاء بالعقوبة إلى يوم يبعثون. لما خاف من تعجيل العقوبة، فأنظر على هذا.

وقال قوم: انظر إلى يوم القيامة، والأقوى الوجه الثاني، لأنه لا يجوز أن يعلم الله أحدا من المكلفين الذين ليسوا بمعصومين أنه يبقيهم إلى وقت معين، لأنه في ذلك إغراء له بالقبح من حيث أنه يعلم أنه باق إلى ذلك الوقت فيرتكب القبيح، فإذا قارب الوقت جدد التوبة فيسقط عنه العقاب. وهل يجوز إجابة دعاء الكافر أم لا؟فيه خلاف: فذهب أبو علي إلى أنه لا يجوز، لما في ذلك في التعظيم والتبجيل لمجاب الدعوة في مجرى العادة، ألا ترى أنه إذا قيل: فلان مجاب الدعوة دل ذلك على أنه صالح المؤمنين. وأجاز ذلك أبو بكر بن الاخشاد على وجه الاستصلاح. وكان يقول: بتفصيل ذلك بحسب الوجه الذي يقع عليه. وكسرت " إن " لأنها حكاية بعد القول، وهي تكسر في هذا الموضع، وفي الابتداء بها، وإذا كان في خبرها لام التأكيد. وإنما عملت (إن) لشبهها بالفعل الماضي من حيث كانت على ثلاثة أحرف مفتوحة الاخر، فهي بمنزلة (كان) إلا أنه خولف بعملها لأنها حرف.

1- سورة 38 ص آية 79 - 81.