الآية 3
قوله تعالى: ﴿اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾
القراءة:
قرأ حمزة، والكسائي وحفص " تذكرون " بتخفيف الذال بتاء واحدة. الباقون بالتشديد الا ابن عامر، فإنه قرأ يتذكرون بياء وتا، قال الزجاج: التخفيف على حذف التاء الثانية كراهة اجتماع ثلاثة أحرف متقاربة، كما قالوا استطاع يستطيع، فحذفوا إحدى الثلاثة المتقاربة دون الأول، لان الأول بمعنى الاستقبال، لا يجوز حذفها، والثانية يدل عليها تشديد العين. ومن قرأ بتشديد الذال، فأصله تتذكرون فأدغم التاء في الذال لقرب مخرجهما، لان التاء مهموسة والذال مجهورة. والمجهورة أزيد صوتا وأقوى من المهموس فحسن ادغام الأنقص في الأزيد. ولا يسوغ ادغام الأزيد في الأنقص، ألا ترى ان الصاد وأختيها لم يدغمن في مقاربهن لما فيهن من زيادة الصفير. وقراءة ابن عامر بالياء والتاء: انه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله أي قليلا ما يتذكرون هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب. قوله " اتبعوا " خطاب من الله للمكلفين وأمر منه بأن يتبعوا ما أنزل عليهم من القرآن. ويحتمل أن يكون المراد قل لهم يا محمد: اتبعوا ما أنزل إليكم، لأنه قال قبل ذلك " لتنذر به " وكان الخطاب متوجها إليه. والاتباع تصرف الثاني بتصريف الأول وتدبيره، فالأول امام والثاني مؤتم. والفرق بين الاتباع والاتباع ان أحدهما يتعدى إلى مفعول، والثاني يتعدى إلى مفعولين، تقول: اتبعت زيدا وأتبعت زيدا عمرا. ووجوب الاتباع فيما أنزل الله يدخل فيه الواجب والندب والمباح، لأنه يجب ان يعتقد في كل جنس ما أمر الله به، كما يجب ان يعتقد في الحرام وجوب اجتنابه. وقوله " ولا تتبعوا من دونه أولياء " نهي من الله ان يتبعوا من دون الله ويتخذوا أولياء. وأولياء جمع ولي وهو ضد العدو، وهو يفيد الأولى ويفيد الناصر وغير ذلك مما بيناه فيما مضى (1). وقوله " قليلا ما تذكرون " معناه الاستبطاء في التذكر، وخرج مخرج الخبر وفيه معنى الامر، ومعناه تذكروا كثيرا مما يلزمكم من أمر دينكم، وما أوجبه الله عليكم. وأخبر انهم قليلا ما يتذكرون و (ما) زائدة، وتذكر معناه أخذ في التذكر شيئا بعد شئ مثل تفقه وتعلم، ويقال: تقيس إذا انتمى إلى قيس، ولم يكن منهم، لأنه يدخل نفسه فيهم شيئا بعد شئ.1- سورة البقرة آية 257 في 2 / 313 - 314 وفي سورة المائدة آية 58، في 3 / 549 وغيرهما كثير.