الآيات 1-2

قال قتادة سورة الأعراف مكية. وقال قوم: هي مكية إلا قوله " واسألهم عن القرية " (1) إلى آخر السورة. وقال قوم هي محكمة كلها. وقال آخرون حرفان منها منسوخان أحدهما قوله " خذ العفو "(2) يريد من أموالهم وذلك قبل الزكاة. والاخر قوله " واعرض عن الجاهلين " (3) نسخ بآية السيف (4). وقال قوم ليس واحد منهما منسوخا بل لكل منهما موضع والسيف له موضع. وهو الأقوى، لان النسخ يحتاج إلى دليل.

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيات 1-2

قوله تعالى: ﴿المص، كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾

آيتان في الكوفي وآية فيما عداه قد بينا في أول سورة البقرة اختلاف المفسرين في أوائل السور بالحروف المقطعة، وقلنا: ان الأقوى من ذلك قول من قال: انها أسماء للسور، وهو قول الحسن والبلخي والجبائي، وأكثر المحصلين. وروي عن ابن عباس أنه قال: هي اختصار من كلام لا يفهمه الا النبي صلى الله عليه وآله قال الشاعر:

نادوهم أن الجموا ألا تا * قالوا جميعا كلهم ألافا (5)

يريد ألا تركبون قالوا فاركبوا. وبني قوله " المص " على السكون في الوصل مع أن قبله ساكنا، لان حروف الهجاء توصل على نية الوقف، لأنه يجزي على تفصيل الحروف، للفرق بينها وبين ما وصل للمعاني، وكأن مجموع الحروف يدل على معنى واحد، ومتى سميت رجلا ب? (المص)، وجبت الحكاية. فان سميته ب? (صاد) أو (قاف) لم يجب ذلك، لان صاد، وقاف، لهما نظير في الأسماء المفردة، مثل، باب، وناب، ونار. وليس كذلك (المص) لأنه بمنزلة الجملة، وليس له نظير في المفرد. وإنما عد الكوفيون " المص " آية، ولم يعدوا صلى الله عليه وآله لان " المص " بمنزلة الجملة مع أن آخره على ثلاثة أحرف بمنزلة المردف، فلما اجتمع هذان السببان، وكل واحد منهما يقتضي عده عدوه. ولم يعدوا (المر) لان آخره لا يشبه المردف. ولم يعدوا صلى الله عليه وآله لأنه بمنزلة اسم مفرد، وكذلك (ق) و (ن). وإنما سميت السورة بالحروف المعجمة، ولم تسم بالأسماء المنقولة لتضمنها معاني أخرى مضافة إلى التسمية، وهو أنها فاتحة لما هو منها، وأنها فاصلة بينها وبين ما قبلها، ولأنه يأتي من التأليف بعدها ما هو معجز مع أنه تأليف كتأليفها، فهذه المعاني من أسرارها. وقيل في موضع (المص) من الاعراب قولان:

أولهما: انه رفع بالابتداء وخبره كتاب، أو أن يكون على هذه (المص) في قول الفراء.

الثاني: لا موضع له، لأنه في موضع جملة على قول ابن عباس، كأنه قال: أنا الله أعلم وافصل - اختاره الزجاج. وقوله " كتاب انزل إليك " قيل في العامل في قوله " كتاب " ثلاثة أقوال:

أحدها: هذا كتاب، فحذف لأنها حال إشارة وتنبيه.

الثاني: " المص كتاب " على أنه اسم للسورة وكتاب خبره. وقال الفراء: رفعه بحروف الهجاء، لأنها قبله، كأنك قلت الألف واللام والميم والصاد، من الحروف المقطعة كتاب أنزل إليك مجموعا، فنابت (المص) عن جميع حروف المعجم، كما تقول: أ، ب، ت، ث ثمانية وعشرون حرفا. وكذلك تقول قرأت الحمد، فصار اسما لفاتحة الكتاب. وقوله " فلا يكن في صدرك حرج " يحتمل دخول الفاء وجهين:

أحدهما: أن يكون عطفا وتقديره إذا كان أنزل إليك لتنذر به، فلا يكن في صدرك حرج منه، فيكون محمولا على معنى إذا.

الثاني: ان النهي وإن كان متناولا للحرج، فالمعني به المخاطب، نهي عن التعرض للحرج، وجاز ذلك لظهور المعنى ان الحرج لا ينهى، وكان مخرج له برده إلى نهي المخاطب أبلغ، لما فيه من أن الحرج لو كان مما ينهي له لنهيناه عنك، فأنته أنت عنه بترك التعرض له. وقيل في معنى الحرج في الآية ثلاثة أقوال:

قال الحسن: معناه الضيق أي لا يضيق صدرك لتشعب الفكر بك خوفا ألا تقوم، بحقه، وإنما أنزل إليك لتنذر به.

الثاني: قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: ان معناه الشك ههنا والمعنى لا تشك فيما يلزمك له فإنما أنزل إليك لتنذر به.

الثالث: قال الفراء: لا يضيق صدرك بأن يكذبوك، كما قال - عز وجل - " فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ". وقوله " لتنذر به " يعني لتخوف بالقرآن. وقال الفراء والزجاج وأكثر أهل العلم: هو على التقديم والتأخير، وتقديره أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين، والذكرى مصدر ذكر يذكر تذكيرا، فالذكرى اسم للتذكير وفيه مبالغة، ومثله الرجعى، وقيل في موضعه ثلاثة أقوال:

أولها: النصب على أنزل، للانذار وذكرى، كما تقول جئتك للاحسان وشوقا إليك.

الثاني: الرفع بتقدير وهو ذكرى.

الثالث: قال الزجاج: يجوز فيه الجر، لان المعنى، لان تنذر وذكرى. قال الرماني: هذا ضعيف، لأنه لا يجوز ان يحمل الجر على التأويل، كما لا يجوز مررت به وزيد.

1- آية 162.

2- آية 198.

3- آية 198.

4- يريد الآية 6 من سورة التوبة.

5- مر في 1 / 470 وهو في تفسير القرطبي 1 / 135.