الآية 21

قوله تعالى: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾

روى روح " يمكرون " بالياء. الباقون بالتاء. أخبر الله تعالى بأنه إذا أذاق الناس يعني الكافرون " رحمة " بأن أنعم عليهم وأوسع أرزاقهم وأخصب أسعارهم " من بعد ضراء " يعني بعد شدة كانوا فيها من جدب وضيق نالتهم " مكروا في آياتنا " فجواب (إذا) الأولى في (إذا) الثانية وإنما جعلوا (إذا) جوابا إذا كانت بمعنى الجملة على ما فيها من المفاجأة، كما قال تعالى " وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون " (1). وحقيقة الذوق تناول ما له طعم بالفم ليوجد طعمه. وإنما قال: أذقناهم الرحمة على طريق البلاغة لشدة إدراك الحاسة. والمكر فتل الشئ إلى غير وجهه على طريق الحيلة فيه، فهؤلاء محتالون لدفع آيات الله بكل ما يجدون السبيل إليه من شبهة أو تخليط في مناظرة أو غير ذلك من الأمور الفاسدة. وقال مجاهد: مكرهم استهزاؤهم وتكذيبهم. فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله " قل " لهم " الله اسرع مكرا " يعني أقدر جزاء على المكر، وذلك أنهم: جعلوا جزاء النعمة المكر مكان الشكر، فقوبلوا بما هو أشد. والسرعة عمل الشئ في وقته الذي هو أحق به.

المعنى:

إن ما يأتيهم من العقاب اسرع مما أتوه من المكر اي وقع في حقه. وقوله " ان رسلنا يكتبون ما تمكرون " إخبار منه تعالى أن ملائكة الله الموكلين بهم يكتبون ما يمكرون من كفرهم وتكذيبهم، ففي ذلك غاية الزجر والتهديد على ما يفعلونه من المكر والحيل في امر النبي صلى الله عليه وآله وقيل إنما سمى جزاء المكر مكرا، لأنهم إذا نالهم العذاب على مكرهم بحيث لا يحتسبونه ولا يتوقعونه فكأنه مكر بهم.


1- سورة 30 الروم آية 36.