الآية 11

قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾

القراءة:

قرا ابن عامر ويعقوب " لقضى إليهم اجلهم " بفتح القاف. الباقون بضمها على ما لم يسم فاعله. قال أبو علي الفارسي: اللام في قوله " لقضي إليهم اجلهم " جواب (لو) في قوله " ولو يعجل الله للناس " والمعنى " ولو يعجل الله للناس " دعاء " الشر " اي ما يدعون به من الشر على أنفسهم في حال ضجر وبطر " استعجالهم " إياه بدعاء " الخير " فأضاف المصدر إلى المفعول به وحذف الفاعل كقوله دعاء الخير، وحذف ضمير الفاعل، والتقدير " ولو يعجل الله للناس الشر " استعجالا مثل " استعجالهم بالخير لقضي إليهم اجلهم " قال أبو عبيدة: معنا الفراغ من اجلهم ومدتهم المضروبة للحياة، فهلكوا. وهو قريب من قوله " ويدعو الانسان بالشر دعاؤه بالخير وكان الانسان عجولا " (1). وقيل للميت مقضي كأنه قضي إذا مات وقضى فعل، التقدير استوفى أجله، قال ذو الرمة:

إذا الشخص فيها هزه الال أغمضت * عليه كاغماض المقضي هجولها (2)

والمعنى أغمضت هجول هذه البلاد على الشخص الذي فيها، فلم ير لقربه كاغماض المقضي، وهو الميت. فأما قوله " لقضي إليهم " وبما يتعلق هذا الجار، فإنه لما كان معنى (قضى) معنى (فرغ) وكان قولك (فرغ) قد يتعدى بهذا الحرف وفي التنزيل " سنفرغ لكم " (3) فإنه يمكن أن يكون الفعل يتعدى باللام كما يتعدى ب? (إلى) كما أن أوحى في قوله " وأوحينا إليه " قد تعدى ب? (إلى) وفي قوله " بأن ربك أوحى لها " (4) تعدى باللام، فلما كان معنى قضى فرغ، وفرغ تعلق بها (إلى) كذلك تعلق بقضى. ووجه قراءة ابن عامر واسناده الفعل إلى الفاعل، لان الذكر قد تقدم في قوله " ولو يعجل الله للناس " فقال (لقضى) الله - على هذا - وقوى ذلك بقوله " ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " (5) فقوله " قضى اجلا " اضافه إلى الفاعل فكذلك في هذه الآية. وقوله " واجل مسمى عنده " يعني أجل البعث بدلالة قوله " ثم أنتم تمترون " (6) أي تشكون في البعث. ومن ضم القاف وبنى الفعل للمفعول، فلانه في المعنى مثل قول من بنى الفعل للفاعل. أخبر الله تعالى في هذه الآية انه لو عجل للخلق الشر، والتعجيل تقديم الشئ قبل حينه. وقد يكون تقديم الشئ في المكان، فلا يكون تعجيلا. والفرق بين التعجيل والاسراع ان التعجيل بالشئ عمله قبل وقته الذي هو أولى به. والاسراع عمله في وقته الذي هو أحق به، وضده الابطاء. الشر ظهور ما فيه الضرر. واصله الاظهار من قولهم: شررت الثوب إذا أظهرته للشمس، ومنه شرر النار لظهوره وانتشاره. وقوله " لقضي إليهم أجلهم " قيل: إن معناه لأميتوا كأنه قيل لقطع اجلهم وفرغ منه قال أبو ذؤيب:

وعليهما مسرودتان قضاهما * داود أو صنع السوابغ تبع (7)

وقال الحسين بن علي المغربي: معناه رد قطع أجلهم إليهم لكون السبب فيه دعاؤهم. وقوله " استعجالهم بالخير " نصب استعجالهم على المصدر وتقديره ولو يعجل الله للناس تعجيله استعجالهم بالخير إذا دعوا. وقيل في معناه قولان:

أحدهما: قال مجاهد وقتادة: وهو كقول الرجل لولده وماله في حال غضبه: اللهم لا تبارك فيه والعنه. وقال الحسن: هو كقوله " ويدعو الانسان بالشر دعاؤه بالخير " (8)

وقال الجبائي: معناه إنهم يطلبون الخير قبل حينه، وسبيله في أنه لا ينبغي أن يكون كسبيل الشر من الاهلاك بالعقاب قبل حينه لما فيه من الاقتطاع عن التوبة واللطف. وقوله " فنذر الذين لا يرجون لقاءنا " معناه نترك الذين لا يخافون لقاءنا أو لا يطمعون فيه بمعنى أنه لا يخافون عقاب معاصينا، ولا يطمعون في ثواب طاعتنا " في طغيانهم يعمهون " فالطغيان الغلو في ظلم العباد والطاغي والباغي نظائر. و (العمة) شدة الحيرة، وتقديره نتركهم وهم يترددون في ضلالتهم، لا أنه يريد منهم العمة في الطغيان، لأنه إنما يتركهم ليتوبوا من ذلك ويؤمنوا لكنه بين أنه لا يعاجلهم بالعقاب في الدنيا، وهم مع ذلك لا يرعوون بل يترددون في الطغيان. وقيل المعنى نتركهم في الآخرة يتحيرون في جزاء طغيانهم.


1- سورة 17 الاسرى آية 11.

2- اللسان " غمض " الال ما أشرف من البعير ومعنى البيت أن الإبل مسرعة.

3- سورة 55 الرحمن آية 31.

4- سورة 99 الزلزال آية 5.

5- سورة 6 الانعام آية 2.

6- سورة 6 الانعام آية 2.

7- مجاز القرآن 1 / 275 وقد مر في 1 / 429 و 4 / 88، 165.

8- سورة 17 الاسراء آية 11.