الآية 176

الآية 176

قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾

الاعراب:

ذلك رفع بالابتداء، أو بأنه خبر الابتداء وهو إشارة إلى أحد ثلاثة أشياء:

أولها: قال الحسن: ذلك الحكم بالنار.

الثاني: ذلك العذاب.

الثالث: ذلك الضلال. وفي تقدير خبر ذلك ثلاثة أقوال:

الأول: قال الزجاج: ذلك الامر، أو الامر ذلك، فحذف لدلالة ما تقدم من الامر بالحق. فكأنه قال: ذلك الحق. واستغنى عن ذكر الحق لتقدم ذكره في الكلام.

الثاني: ذلك معلوم " بأن الله نزل الكتاب بالحق " فقد تقدم ذكر ما هو معلوم بالتنزيل، فحذف لدلالة الكلام عليه.

الثالث: ذلك العذاب لهم " بأن الله نزل الكتاب بالحق " وكفروا به، فتكون الباء في موضع الخبر. ويحتمل ذلك أن يكون رفعا على ما بينا. ويحتمل أن يكون نصبا على فعلنا ذلك، لان في الكلام ما يدل على (فعلنا).

المعنى:

ومعنى الكتاب هاهنا قيل: إنه التوراة. وقال الجبائي: إنه القرآن، وغيره. وهو أعم فائدة. وقال بعضهم: إن المراد بالأول التوراة، وبالثاني القرآن. ومعنى الاختلاف هاهنا يحتمل أمرين:

أحدهما: قول الكفار في القرآن. ومنهم من قال: هو كلام السحرة. ومنهم من قال: كلام يعلمه. ومنهم من قال: كلام يقوله.

الثاني: اختلاف اليهود والنصارى في التأويل، والتنزيل من التوراة، والإنجيل، لأنهم حرفوا الكتاب، وكتموا صفة محمد النبي صلى الله عليه وآله وجحدت اليهود الإنجيل والقرآن. قوله تعالى: " لفي شقاق بعيد " فيه قولان:

أحدهما: بعيد عن الألفة بالاجتماع على الصواب.

الثاني: بعيد: من الشقاق، لشهادة كل واحد على صاحبه بالضلال. وكلاهما قد عدل عن السداد. ومن ذهب إلى أن المعنى ذلك العذاب " بأن الله نزل الكتاب بالحق " قدر فكفروا به، وجعله محذوفا. ومن ذهب إلى أن المعنى: ذلك الحكم بدلالة " أن الله نزل الكتاب بالحق " لم يجعله محذوفا.

والمعني بالذين اختلفوا على قول السدي: اليهود، والنصارى. وقال غيره: هم الكفار من عبدة الأوثان، وغيرهم من أهل الضلال. وهو الأولى، لأنه أعم.

الاعراب:

وإنما كسرة (إن) الثانية لالحاق اللام الخبر، وهي لام الابتداء، فأخرت إلى الخبر وكسرت معها (إن) لأنها للاستئناف أيضا. فأما (أن) المفتوحة فاسم يعمل فيه عوامل الاعراب كما يعمل في الأسماء. وإنما كسرت (إن) في قوله تعالى: " وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام " (1) لا لا لحاق اللام، ولكن لدخول (إلا) على جملة مستأنفة في التقدير. كأنه قيل: إلا هم يأكلون الطعام. ولو قلت ما ظننت إلا إنك لخارج لكسرت لأجل اللام.

اللغة:

والاختلاف: الذهاب على جهة التفريق في الجهات. وأصله من اختلاف الطريق. تقول: اختلفنا الطريق، فجاء هذا من هاهنا، وجاء ذاك من هناك، ثم قيل في الاختلاف في المذاهب تشبيها في الاختلاف في الطريق من حيث أن كل واحد منهم على نقيض ما عليه الآخر من الاعتقاد. فأما الاختلاف في الأجناس، فهو ما لا يسد واحد منهما مسد الآخر، فيما يرجع إلى ذاته، كالسواد والبياض، وغيرهما. والشقاق: انحياز كل واحد عن شق صاحبه للعداوة له. وهو طلب كل واحد منهما ما يشق على الآخر، لأجل العدواة. والمشاقة مثله.


1- سورة عبس آية: 17.