الآية 170
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾
ألفينا، وصادفنا، ووجدنا بمعنى واحد، والأب، والوالد واحد.
الاعراب:
وقوله تعالى: " أولو كان " هي واو العطف، دخلت عليها حرف الاستفهام، والمراد بها التوبيخ والتقريع، فهي ألف التوبيخ. ومثل هذه الألف (1) " أثم إذا ما وقع " (2) و " أفلم يسيروا في الأرض " (3). وإنما جعلت ألف الاستفهام للتوبيخ، لأنه يقتضي ما الاقرار به فضيحة عليه، كما يقتضي الاستفهام الاخبار، مما يحتاج إليه.
المعنى:
والمعنى: إنهم يقولون، هذا القول " وإن كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ". والفرق بين دخول الواو، وسقوطها في مثل هذا الكلام، أنك إذا قلت: اتبعه ولو ضرك، فمعناه اتبعه على كل حال ولو ضرك، وليس كذلك إذا قال: اتبعه لو ضرك، لان هذا خاص، والأول عام، فإنما دخلت الواو لهذا المعنى. ومعنى قوله: " لا يعقلون شيئا ولا يهتدون " يحتمل شيئين:
أحدهما: لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون إليه.
والثاني: على الشتم والذم، كما يقال: هو أعمى إذا كان لا يبصر طريق الحق - على الذم - هذا قول البلخي. والأول قول الجبائي. وفي الآية دلالة على بطلان قول أصحاب المعارف، لأنها دلت على أنهم كانوا على ضلال في الاعتقاد. والضمير في قوله: " هم " قيل فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: انه يعود على (من) في قوله: " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ".
والثاني: انه يعود على (الناس) من " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا " فعدل عن المخاطبة إلى الغيبة، كما قال تعالى: " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة ". (4).
الثالث: انه يعود على الكفار، إذ جرى ذكرهم، ويصلح أن يعود إليهم وإن لم يجر ذكرهم، لان الضمير يعود على المعلوم، كما يعود على المذكور. وقال ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وآله دعا اليهود من أهل الكتاب إلى الاسلام، فقالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، فهم كانوا أعلم وخيرا منا، فأنزل الله عز وجل " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله " الآية.
و " وألفينا " في الآية معناه وجدنا - في قول قتادة - قال الشاعر: (5)
فألفيته غير مستعتب * ولا ذاكر الله إلا قليلا (6)
والاتباع: طلب الاتفاق في المقال أو الفعال. أما في المقال، فإذا دعا إلى شئ استجيب له. وأما في الفعال، فإذا فعل شيئا، فعلت مثله. والعقل مجموعة علوم بها يتمكن من الاستدلال بالشاهد على الغائب. وقال قوم: هو قوة في النفس يمكن بها ذلك. والاهتداء الإصابة لطريق الحق بالعلم. وفي الآية حجة عليهم من حيث أنهم إذا جاز لهم أن يتبعوا آباءهم فيما لا يدرون أحق هو أم باطل، فلم لا يجوز اتباعهم مع العلم بأنهم مبطلون. وهذا في غاية البطلان. وفيها دلالة على فساد التقليد، لان الله تعالى ذمهم على تقليد آبائهم، ووبخهم على ذلك. ولو جاز التقليد لم يتوجه إليهم توبيخ، ولا لوم، والامر بخلافه.
1- سورة النحل آية: 90.
2- في المطبوعة (الواو).
3- سورة يونس آية: 51.
4- سورة يوسف آية: 109، وسورة الحج آية: 46، وسورة المؤمن آية 82، وسورة محمد آية: 10.
5- سورة يونس آية: 22.
6- هو أبو الأسود الدؤلي.