الآية 152

قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾

المعنى:

الذكر المأمور به في الآية، والموعد به، قيل فيه أربعة أقوال:

أحدهما: قال سعيد بن جبير " اذكروني " بطاعتي " أذكركم " برحمتي.

الثاني: " اذكروني " بالشكر (أذكركم) بالثواب.

الثالث: (أذكروني) بالدعاء (أذكركم) بالإجابة.

الرابع: (اذكروني) بالثناء بالنعمة (أذكركم) بالثناء بالطاعة.

اللغة:

والذكر: حضور المعنى للنفس، فقد يكون بالقلب، وقد يكون بالقول، وكلاهما يحضر به المعنى للنفس، وفي أكثر الاستعمال يقال: الذكر بعد النسيان، وليس ذلك بموجب إلا أن يكون إلا بعد نسيان، لان كل من حضره المعنى بالقول أو العقد أو الحضور بالبال: ذاكر له. واصله التنبيه على الشئ. فمن ذكر ناسيا، فقد نبهه عليه. وإذا ذكرناه نحن فقد نبهنا عليه. والذكر نقيض الأنثى (وإنه لذكر لك) (1) أي شرف لك من النباهة والجلالة. والفرق بين الذكر، والخاطر. أن الخاطر: مرور المعنى بالقلب، والذكر قد يكون ثابتا في القلب. وقد يكون بالقول.

الاعراب:

وقوله تعالى: (واشكروا لي) معناه اشكروا لي نعمتي فحذف، لان حقيقة الشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم. وقوله: (ولا تكفرون) فيه حذف، وتقديره: ولا تكفروا نعمتي، لان الكفر هو ستر النعمة وجحدها. لأستر المنعم. وقولهم حمدت زيدا، وذممت عمرا، فلا حذف فيه وإن كنت إنما تحمد من اجل الفعل الحسن، وتذم من اجل الفعل القبيح. كما أنه ليس في قولك: زيد متحرك حذف، وإن كان إنما تحرك من أجل الحركة. وليس كل كلام دال على معني غير مذكور يكون فيه حذف، لان قولك زيد ضارب دال على مضروب، وليس بمحذوف، وكذلك زيد قاتل دال على مقتول، وليس بمحذوف، فالحمد للشئ دلالة على أنه محسن، والذم له دلالة على أنه مسئ كقولك: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، وكذلك قولك: زيد المحسن، وعمرو المسئ، ليس فيه محذوف ويقال: شكرتك، وشكرت لك، وإنما قيل شكرتك، لأنه أوقع اسم المنعم موقع النعمة، فعدى الفعل بغير واسطة والأجود. شكرت لك النعمة، لأنه الأصل في الكلام، والأكثر في الاستعمال. قال الشاعر (2):

هم جمعوا بؤسى ونعمى عليكم * فهلا شكرت القوم إذ لم تقاتل (3)

ومثل ذلك نصحتك، ونصحت لك، وإنما حذف (الياء) في الفواصل، لأنها في نية الوقف، فلذلك قال (ولا تكفرون) بغير (ياء) وهي في ذلك كالقوافي التي يوقف عليها بغير ياء كقول الأعشى:

ومن شانئ كاشف وجهه * إذا ما انتسبت له أنكرن (4)

يعني أنكرني فحذف الياء.

1- اللسان " علق " و " ثغم " و " فنن " العلاقة: الحب. أفنان خصل الشعر. الثغام شجر ابيض. المخلس: الذي بين السواد والبياض: فكأنه يقول: أحب بعد الشيب.

2- سورة الزخرف آية: 44.

3- نسبه أبو حيان في تفسيره 1: 447 لعمر بن لجأ.

4- معاني القرآن للفراء: 1: 92 يقول: لما ذا لم تشكر القوم الذين جمعوا لك النعيم والبؤس وأنت لم تقاتل.