الآيات 47-55

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ، وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ، وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾

هذا إخبار من الله تعالى بأن المجرمين الذين ارتكبوا معاصي الله وتركوا طاعاته في ضلال وسعر، ومعناه في ضلال عن الحق وعدول عنه (وفي سعر) يعني في عذاب النار تسعرهم ومعناه إنهم يصيرون إليه، وإنما جمع بين الضلال والسعر، لأنه لازم لهم ومنعقد بحالهم وإن كان الضلال بعصيانهم والسعر بالعقاب على الضلال، وكأنهم قد حصلوا فيه بحصولهم في سببه الذي يستحق به. وقيل معنى في ضلال يعني في ذهاب عن طريق الجنة والآخرة في نار مسعرة. وقوله (يوم يسحبون) أي يوم يجرون في النار على وجوههم (ذوقوا مس سقر) أي يقال لهم مع ذلك ذوقوا مس سقر، وهو كقولهم وجدت مس الحمى وكيف ذقت طعم للضرب. وقيل: إن سقر جهنم وقيل: هو باب من أبوابها، ولم يصرف للتعريف والتأنيث. ولما وصف العقاب قال (إنا كل شئ خلقناه بقدر) أي العقاب على مقدار الاستحقاق الذي تقتضيه الحكمة وكذلك غيره في كل خصلة. وفي نصب (كل) ثلاثة أوجه:

أحدها: على تقدير إنا خلقنا كل شئ خلقناه بقدر

الثاني: انه جاء على زيدا ضربته.

الثالث: على البدل الذي يشتمل عليه، كأنه قال (إن كل شئ خلقناه بقدر) أي هو مقدر في اللوح المحفوظ. وقوله (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) فاللمح خطف البصر، والمعنى وما أمرنا إذا أردنا أن يكون شيئا إلا مرة واحدة إنما نقول له كن فيكون أي هذه منزلته في سرعته وانطياعه. ثم قال تعالى مخاطبا لكفار قريش وغيرهم " ولقد أهلكنا أشياعكم " يعني اتباع مذهبكم في كفرهم بعبادة الأوثان تتابعوا قرنا بعد قرن في الاهلاك بعذاب الاستئصال. والشيعة أتباع القائد إلى أمر. وقيل: المعنى ولقد أهلكنا أشياعكم ممن هو منكم كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله فهي لكل أمة فهل من متعظ. وقال الحسن: هو على الأمم السالفة " فهل من مدكر " معناه فهل من متذكر لما يوجبه هذا الوعظ من الانزجار عن مثل ما سلف من أعمال الكفار لئلا يقع به ما وقع بهم من الاهلاك. وقوله (وكل شئ فعلوه في الزبر) يعني في الكتب التي كتبتها الحفظة. وقال ابن زيد في الكتاب. وقال الضحاك في الكتب وقوله (وكل صغير، وكبير مستطر) قال ابن عباس معناه إن جميع ذلك مكتوب مسطور في الكتاب المحفوظ، لأنه من أعظم العبرة في علم ما يكون قبل أن يكون على التفصيل، وبه قال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد. ثم قال تعالى (إن المتقين) يعني الذين اتقوا معاصيه وفعلوا واجباته (في جنات) يعني بساتين تجنها الأشجار (ونهر) أي انهار، فوضع نهرا في موضع أنهار، لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير، والنهر المجرى الواسع من مجاري الماء، وهو خلاف الجدول، لأنه المجرى الصغير الشديد الجرى من مجاري الماء (في مقعد صدق) معناه في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم (عند مليك مقتدر) أي بالمكان الذي كرمه لأوليائه المليك المقتدر. وقيل: في مقعد صدق عند المليك المقتدر بما هو عليه من صدق دوام النعيم به. وقال الفراء: معنى (في جنات ونهر) أي في ضياء وسعة، ويقال: أنهر دمه إذا سال وانهر بطنه إذا جاء بطنه مثل جرى النهر.