الآيات 41-46

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ، كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ، أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ، أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ، سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾

القراءة:

قرأ روح وزيد (سنهزم) بالنون على وجه الاخبار من الله تعالى عن نفسه الباقون بالياء على ما لم يسم فاعله. اخبر الله تعالى عن آل فرعون انه جاءهم النذر. ويحتمل أن يكون جمع نذير، وهو الرسول المخوف. ويحتمل أن يكون المراد به الانذار على ما بيناه ومعناه إنه جاءهم التخويف من معاصي الله والوعيد عليها. ثم اخبر تعالى عنهم بأنهم (كذبوا بآياتنا) يعني حججنا وبراهيننا (كلها) وآل فرعون خاصته الذين كانوا ينضافون إليه بالقرابة. والموافقة في المذهب، ويقال: آل القرآن آل الله، لأنهم بمنزلة الآل في الخاصة والإضافة. والانذار الاعلام بموقع المخافة ليتقى. والنذر والانذار مثل النكر والانكار. وهو جمع نذير وهم الرسل. والداعي إلى تكذيب الرسل الشبهة الداخلة على العقلاء والتقليد والعادة السيئة وغير ذلك. ثم اخبر تعالى انه اخذهم بالعذاب والاهلاك (أخذ عزيز مقتدر) وهو القاهر الذي لا يقهر ولا ينال، مقتدر على جميع ما يريده لكثرة مقدوراته. ثم قال (اكفاركم) يعني قريش وأهل مكة (خير من أولئكم) الكفار، والمعنى إنهم ليسوا بخير من كفار قوم نوح وعاد وثمود. وقوله (أم لكم براءة في الزبر) معناه ألكم براءة في الكتب المنزلة من عذاب الله. وقوله (أم يقولون نحن جميع منتصر) قال الزجاج: معناه أيقولون ذلك إدلالا بقوتهم. ويحتمل أن يكون أرادوا نحن جميع أي يد واحدة على قتاله وخصومته (منتصر) أي ندفعه عنا وينصر بعضنا بعضا فقال الله تعال مكذبا لظنونهم (سيهزم الجمع) معناه إن جميعهم سيهزمون (ويولون الدبر) ولا يثبتون لقتالك، وكان كذلك فكان موافقته لما أخبر به معجزا له لأنه إخبار بالغيب قبل كونه، وانهزم المشركون يوم بدر وقتلوا وسبوا على ما هو معروف. ثم قال (بل الساعة) يعني القيامة (موعدهم) للجزاء لهم بأنواع العقاب والنيران وقوله (والساعة أدهى وأمر) فالأدهى الأعظم في الدهاء. والدهاء عظم سبب الضرر مع شدة انزعاج النفس وهو من الداهية وجمعه دواه، والداهية البلية التي ليس في إزالتها حيلة، والمراد ما يجري عليهم من القتل والأسر عاجلا لا يخلصهم من عذاب الآخرة بل عذاب الآخرة أدهى وأمر. والامر الأشد في المرارة، وهي ضرب من الطعم به يكون الشئ مرا. ويحتمل الامر الأشد في استمرار البلاء، لان الأصل التمرر. وقيل مرارة لشدة مرورها وطلبها الخروج بحدة. وقيل: الامر الأشد مرارة من القتل والأسر.