الآيات 23-30

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ، كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ، فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ، أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ، سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ، إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ، وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ، فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ، فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾

القراءة:

قرأ " ستعلمون " بالتاء أهل الشام وحمزة، على الخطاب، الباقون بالياء على الغيبة، اللام في قوله (ولقد) جواب القسم فالله تعالى أقسم بأنه يسر القرآن للذكر، وقد بينا معناه. وقيل: الوجوه التي يسر الله بها القرآن هو أنه ابان عن الحكم الذي يعمل عليه، والمواعظ التي يرتدع بها، والمعاني التي يحتاج إلى التنبيه عليها والحجج التي تميز بها الحق من الباطل. وإنما أعيد ذكر التيسير لينبئ عن انه يسر بهذا الوجه من الوجوه كما يسر بالوجه الأول. وقد يسر بحسن التأليف للحفظ كما يسر بحسن البيان عما يخاف للوعظ. وقال الزجاج: إن كتب الأنبياء كانوا يقرؤنها نظرا ولم يحفظونها، والقرآن سهل الله تعالى عليهم حفظه فيحفظه الخلق الكثير، والتيسير التمكين التام لأنه قد يمكن العمل بمشقة وبغير شقة، فالذي تنتفى عنه المشقة للتمكين التام هو المسهل. وفائدة الآية تبيين ما ينبغي أن يطلب العلم من جهته. وإنما كرر لأنه حث على ذلك بعد حث، وأنه ميسر بضروب التيسير. وقوله (كذبت ثمود بالنذر) إخبار من الله تعالى أن ثمود، وهم قوم صالح كذبت بالانذار. ومن قال: النذر جمع نذير قال لان تكذيب واحد من الرسل في إخلاص توحيد الله كتكذيب جميعهم، لأنهم متفقون في ذلك وإن اختلفت شرائعهم. وفائدة الآية التحذير من مثل حالهم. ثم حكى ما قالته ثمود فإنهم (قالوا أبشرا منا واحدا نتبعه) والمعنى أنتبع بشرا منا واحدا أنتبعه ؟! ودخلت عليهم الشبهة، فظنوا أن الأنبياء ينبغي أن يكونوا جماعة، لان الأشياء ذووا نظائر تجري على حكم واحد، وتركوا النظر في أنه يجوز ان يصلح واحد من الخلق لتحمل النبوة وإن لم يصلح له غيره، فصار بمنزلة مدع لا دليل معه على صحة دعواه عندهم. وفائدة الآية تبيان شبهتهم الخسيسة الضعيفة وانهم حملوا أنفسهم على تكذيب الرسل لأجلها. وجوابهم أن يقال لهم: لأنه لا يصلح له سواه من جهة معرفته بربه وقيامه بأداء رسالته وسلامة ظاهره وباطنه. وقوله (إنا إذا لفي ضلال) معناه إن اتبعناه مع أنه واحد منا إنا إذا لفي ضلال عن الصواب (وسعر) أي وعناء - في قول قتادة - والسعر جمع سعير كأنهم في ضلال وعذاب كعذاب السعير. وقال قوم: معناه وسعر جنون. واصله التهاب الشئ وهو شدة انتشاره، يقال: ناقة مسعورة إذا كان لها جنون. وقال الزجاج: يجوز أن يكون المراد وعذاب، ويجوز جنون. وقوله (أألقي الذكر عليه من بيننا) استفهام من قوم صالح على وجه الانكار والجحود والتعجب، ومعنى (أألقي الذكر) يعني الوحي (من بيننا) لما رأوا استواء حال الناس في الظاهر لم يكن بعضهم أحق عندهم بانزال الوحي عليه من بعض. وقد وصفوا أنفسهم أن حاله مساوية لأحوالهم فجاء من هذا ألا يكون أحق بالوحي الذي ينزل عليه منهم، واغفلوا أن الله اعلم بمصالح عباده ومن يصلح للقيام برسالته ممن لا يصلح. ثم حكى ما قالوه في صالح، فإنهم قالوا (بل هو كذاب) في دعواه أنه نبي أوحى الله إليه (أشر) أي بطر، فالأشر البطر الذي لا يبالي ما قال. وقيل: هو المرح الطالب للفخر وعظم الشأن، يقال: أشر يأشر أشرا كقولك: بطر يبطر بطرا وأشر واشر مثل حذر وحذر، وعجل وعجل وفطن وفطن ونحس ونحس. فقال: الله تعالى على وجه التهديد لهم (ستعلمون غدا من الكذاب الأشر) وقرأ أبو قلابة (الكذاب الأشر) وهذا ضعيف، لأنهم يقولون: هذا خير من ذا وشر من ذا، ولا يقال: أشر، ولا أخير إلا في لغة ردية. ومن قرأ (ستعلمون) بالتاء على وجه الخطاب إليهم أي قل لهم، وهي قراءة ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم. ومن قرأ بالياء فعلى وجه الاخبار عن الغائب وهي قراءة الباقين، لان الكذاب الأشر يوم القيامة يعاقبه الله بعذاب النار، فيعلم حينئذ أي الفريقين هم. وقرب الله تعالى القيامة كقرب غد من اليوم. والفرق بين قوله (ستعلمون غدا من الكذاب) وبين قوله لو قال (ستعلمون غدا الكذاب الأشر) أن الأول يفيد فريقين التبس الكذب بكل واحد منهما فيأتي العلم مزيلا لذلك الالتباس وليس كذلك الثاني. ثم بين تعالى أنه ارسل الناقة وبعثها بأن أنشأها معجز لصالح، لأنه أخرجها من الجبل الأصم يتبعها ولدها. وقوله (فتنة لهم) نصب (فتنة) على أنه مفعول له. ومعنى ذلك ابتلاء لهم ومحنة، لأنه تعالى نهاهم ان ينالوها بسوء مع تضيق الشرب عليهم بأن لها شرب يوم ولهم شرب يوم آخر. والشرب - بكسر الشين - الحظ من الماء - وبضم الشين - فعل الشارب. ثم حكى تعالى ما قال لصالح فإنه تعالى قال له (واصطبر) أي أصبر على أذاهم (ونبئهم) أي اخبرهم (أن الماء قسمة بينهم) يوم للناقة ويوم لهم (كل شرب محتضر) أي كل قسم يحضره من هو له. وقيل المعنى نبئهم أي يوم لهم وأي يوم لها إلا أنه غلب من يعقل، فقال نبئهم. وقيل: كانوا يحضرون الماء إذا غابت الناقة ويشربونه وإذا حضرت أحضروا اللبن وتركوا الماء لها - ذكره مجاهد - وقيل: كانت الناقة تحضر شربها وتغيب وقت شربهم. وكل فريق يحضر وقت شربه. وقوله (فنادوا صاحبهم) يعني الذي وافقوه على عقر الناقة، وهو أحمر ثمود، والعرب تغلط فتقول: أحمر عاد. ويريدون بذلك ضرب المثل في الشؤم، وإنما هو أحمر ثمود - ذكره الزجاج - وقال قوم: اسمه قدار بن سالف. وقوله (فتعاطى فعقر) قال ابن عباس تعاطى تناول الناقة بيده فعقرها، وقال معناه تعاطى عقرها فعقرها فأهلكهم الله تعالى عقوبة على ذلك (فيكف كان عذابي ونذر).