الآيات 1-5

مكية بلا خلاف. وهي خمس وخمسون آية بلا خلاف.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ، وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ، وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ، حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر " وكل امر مستقر " بالجر صفة ل? (أمر). الباقون بالرفع على أنه خبر (كل). هذا اخبار من الله تعالى بدنو الساعة وقرب أوانها، فقوله " اقتربت " أي دنت وقربت وفي (اقتربت) مبالغة، كما أن في (اقتدر) مبالغة على القدرة، لان أصل (افتعل) طلب اعداد المعنى بالمبالغة نحو (اشتوى) إذا أتخذ شوى في المبالغة في اتخاذه، وكذلك (اتخذ) من (اخذ). والساعة القيامة. وقال الطبري: تقديره اقتربت الساعة التي يكون فيها القيامة. وجعل الله تعالى من علامات دنوها انشقاق القمر المذكور معها، وفى الآية تقديم وتأخير، وتقديره انشق القمر واقتربت الساعة. ومن أنكر انشقاق القمر وأنه كان، وحمل الآية على كونه في ما بعد - كالحسن البصري وغيره، واختاره البلخي - فقد ترك ظاهر القرآن، لان قوله " انشق " يفيد الماضي، وحمله على الاستقبال مجاز. وقد روى انشقاق القمر عبد الله بن مسعود وانس ابن مالك وابن عمر وحذيفة وابن عباس وجبير بن مطعم ومجاهد وإبراهيم، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعتد بخلاف من خالف فيه لشذوذه، لان القول به أشتهر بين الصحابة فلم ينكره أحد، فدل على صحته، وأنهم اجمعوا عليه فخلاف من خالف في ما بعد لا يلتفت إليه. ومن طعن في انشقاق القمر بأنه لو كان لم يخف على أهل الافطار فقد أبعد لأنه يجوز ان يحجبه الله عنهم بغيم، ولأنه كان ليلا فيجوز أن يكون الناس كانوا نياما فلم يعلموا به، لأنه لم يستمر لزمان طويل بل رجع فالتأم في الحال، فالمعجزة تمت بذلك. وقوله " وإن يروا آية " احتمل أن يكون اخبارا من الله تعالى عن عناد كفار قريش بأنهم متى رأوا معجزة باهرة وحجة واضحة أعرضوا عن تأملها والانقياد لصحتها عنادا وحسدا، وقالوا هو " سحر مستمر " أي يشبه بعضه بعضا. وقيل " سحر مستمر " من الأرض إلى السماء. وقال مجاهد وقتادة معناه ذاهب مضمحل وقال قوم: معناه شديد من أمرار الحبل، وهو شده فتله. وقوله " وكذبوا " يعني بالآية التي شاهدوها ولم يعترفوا بصحتها ولا تصديق من ظهرت على يده " واتبعوا " في ذلك " أهواءهم " يعني ما تميل طبائعهم إليه، فالهوى رقة القلب بميل الطباع كرقة هواء الجو، تقول: هوى هوي هوا، فهو هلو إذا ما طبعه إلى الشئ، وهو هوى النفس مقصور، فأما هواء الجو فممدود ويجمع على أهوية. وهوى يهوي إذا انحدر في الهواء، والمصدر الهوى. والاسم الهاوي. وقوله " وكل أمر مستقر " معناه كل أمر من خير أو شر مستقر ثابت حتى يجازى به إما الجنة أو النار - ذكره قتادة - ثم قال " ولقد جاءهم " يعني هؤلاء الكفار " من الانباء " يعني الاخبار العظيمة بكفر من تقدم من الأمم وإهلاكنا إياهم التي يتعظ بها " ما فيه مزدجر " يعني متعظ، وهو مفتعل من الزجر إلا أن التاء أبدلت دالا لتوافق الراء بالجهر مع الدال لتعديل الحروف فيتلاءم ولا يتنافر. وقوله " حكمة بالغة " معناه نهاية في الصواب، وغاية في الزجر بهؤلاء الكفار وقوله " فما تغنى النذر " يجوز في (ما) وجهان:

أحدهما: الجحد، ويكون التقدير: لا يغني التخويف

الثاني: أن تكون بمعنى (أي) وتقديره أي شئ يغني الانذار. والنذر جمع نذير. وقال الجبائي: معناه إن الأنبياء الذين بعثوا إليهم لا يغنون عنهم شيئا من عذاب الآخرة الذي استحقوه بكفرهم، لأنهم خالفوهم ولم يقبلوا منهم.