الآيات 21-25

قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ، وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ، يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ، وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأهل الكوفة (واتبعتهم) بالتاء (ذريتهم) على واحدة (بهم ذريتهم) على واحدة أيضا. وقرأ نافع (واتبعتهم) بالتاء (ذريتهم) على واحدة (بهم ذرياتهم) على الجمع. وقرأ ابن عامر (واتبعتهم ذرياتهم) بالتاء على الجمع (بهم ذرياتهم) جماعة أيضا. وقرأ أبو عمرو (أتبعناهم) بالنون (ذرياتهم) جماعة (ألحقنا بهم ذرياتهم) جماعة أيضا. وقرأ ابن كثير وحده (وما ألتناهم) بفتح الألف وكسر اللام. الباقون - بفتح الألف واللام - وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (لا لغوا فيها ولا تأثيم) نصبا. الباقون بالرفع والتنوين. قال الزجاج: فمن رفع فعلى ضربين:

أحدهما: على الابتداء و (فيها) الخبر

والثاني: أن تكون (لا) بمعنى ليس رافعة وانشد سيبويه:

من فرعن نيرانها * فأنا ابن قيس لابراح (1)

ومن نصب بنى كقوله (لا ريب فيه) (2) والاختيار عند النحويين إذا كررت (لا) الرفع. والنصب جائز حسن. يقول الله تعالى (والذين آمنوا) بالله وأقروا بتوحيده وصدقوا رسله (وأتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم) من قرأ بالنون معناه، وألحقنا بهم ذرياتهم أي ألحق الله بهم ذرياتهم يعني حكم لهم بذلك. ومن قرأ (واتبعتهم) نسب الاتباع إلى الذرية. والمعنى إنهم آمنوا كما آمنوا، فمن جمعه فلاختلاف أجناس الذرية، ومن وحد، فلانه يقع على القليل والكثير، وإنما قرأ أبو عمرو (أتبعناهم) بالنون لقوله بعد ذلك (ألحقنا) وقال البلخي: معنى الآية إن ثواب الذرية إذا عملوا مثل أعمال الاباء يثابون مثل ثواب الاباء، لان الثواب على قدر الاعمال. ولما قال (واتبعناهم ذرياتهم) بين أن ذلك يفعل بهم من غير أن ينقص من أجورهم، لئلا يتوهم انه يلحقهم نقص أجر. وقال الزجاج: معنى الآية إن الأبناء إذا كانوا مؤمنين فكانت مراتب آبائهم في الجنة أعلا من مراتبهم ألحق الأبناء بالآباء، ولم ينقص الآباء من أعمالهم، وكذلك إن كان اعمال الآباء انقص ألحق الآباء بالأبناء. والاتباع إلحاق الثاني بالأول في معنى عليه الأول، لأنه لو ألحق به من غير أن يكون في معنى هو عليه لم يكن اتباعا، وكان إلحاقا. وإذا قيل: اتبعه بصره فهو الادراك، وإذا قيل: تبعه فهو يصرف البصر بتصرفه. وقوله (ألحقنا بهم ذرياتهم) قال ابن عباس والضحاك وابن زيد: الحقوا الأولاد بالاباء إذا آمنوا من أجل إيمان الاباء. وفى رواية أخرى عن ابن عباس: أن التابعين الحقوا بدرجة آبائهم، وإن قصرت اعمالهم تكرمة لآبائهم والأول هو الوجه. وإنما وجب بالايمان إلحاق الذرية بهم مع أنهم قد يكون ليس لهم ذرية لأنه إنما يستحق ذلك السرور على ما يصح ويجوز مع أنه إذا اتبع الذرية على ما أمر الله به استحق الجزاء فيه، فان أبطلته الذرية عند البلوغ بسوء عمل، وفي سروره في أمر آخر كما أن أهل الجنة من سرورهم ما ينزل بأعدائهم في النار، فلو عفى عنهم لوفوا سرورهم بأمر آخر. وقوله (وما ألتناهم) معناه ما نقصناهم يقال: ألته يألته ألتا، وألاته يلته إلاتة، ولاته يليته ثلاث لغات - ذكرها أبو عبيدة: إذا نقصه، فبين - عز وجل - أنه لا يجوز عليه نقصان شئ من جزاء عمله، لأنه لا يجوز عليه الظلم لا قليله ولا كثيره ولا صغيره ولا كبيره، وقال ابن عباس ومجاهد والربيع (وما ألتناهم) ما نقصناهم قال الشاعر:

أبلغ بني ثعل عني مغلغلة * جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا (3)

وقوله (كل امرئ بما كسب رهين) أي كل إنسان يعامل بما يستحقه ويجازى بحسب ما عمله إن عمل طاعة أثيب عليها وإن عمل معصية عوقب بها لا يؤاخذ أحد بذنب غيره. والرهين والمرهون والمرتهن هو المحتبس على أمر يؤدى عنه بحسب ما يجب فيه، فلما كان كل مكلف محتبسا على عمله، فان صح له أداؤه على الواجب فيه تخلص، وإلا هلك، فلهذا قال (كل امرئ بما كسب رهين). قوله (وأمددناهم بفاكهة) فالامداد هو الاتيان بالشئ بعد الشئ يقال: مد الجرح وأمد النهر، والفاكهة هي الثمار (ولحم مما يشتهون) أي وأمددناهم أيضا بلحم من الجنس الذي يشتهونه. وقوله (يتنازعون فيها كأسا) أي يتعاطون كأس الخمر، قال الأخطل:

نازعتهم طيب الراح الشمول وقد * صاح الدجاج وحانت وقعة الساري (4)

والكأس الاناء المملوء بالشراب، فإن كان فارغا فلا يسمى كأسا - ذكره الفراء - وقوله (لا لغو فيها ولا تأثيم) معناه لا يجري بينهم باطل ولا ما يلغى فيه ولا ما فيه أثم كما يجري في الدنيا عند شرب الخمر. وقوله (ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون) يعني في صفائه وبياضه وحسن منظره، والمكنون المصون. وقيل: ليس على الغلمان مشقة في خدمة أهل الجنة، بل لهم في ذلك لذة، لأنه ليس هناك دار محنة. وقوله (واقبل بعضهم على بعض يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضا عن حاله، وما هو فيه من أنواع النعيم فيسرون بذلك ويزداد فرحهم وقيل: يسأل بعضهم بعضا عما فعلوه في دار الدنيا مما استحقوا به المصير إلى الثواب والكون في الجنان بدلالة قوله (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين).


1- اللسان (برح) وسيبويه 1 / 28، 354.

2- سورة 2 البقرة آية 2.

3- تفسير الطبري 27 / 15.

4- تفسير الطبري 27 / 16 والقرطبي 17 / 68.