الآية 134
قوله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
اللغة:
قوله: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم " فالأمة المراد بها هنا الجماعة والأمة على ستة أقسام الجماعة والأمة: الحين لقوله: " واذكر بعد أمة " (1) أي بعد حين، والأمة القدوة والامام. لقوله: " ان إبراهيم كان أمة قانتا " (2) والأمة العامة وجمعها أمم.
قال الأعشى:
وان معاوية الأكرمين * حسان الوجوه طوال الأمم (3)
والأمة: الاستقامة في الدين والدنيا. قال النابغة: وهل يأثمن ذوامة وهو طائع (4) والأمة: أهل الملة الواحدة. كقولهم: أمة موسى، وأمة عيسى، وأمة محمد صلى الله عليه وآله واصل الباب: القصد من أمه يؤمه. وإذا قصده. ومعنى خلت.
مضت كما تقول: لثلاث خلون من الشهر، أي مضين. وأصله: الانفراد ومنه خلا الرجل بنفسه: إذا انفرد. وخلا المكان من أهله أي انفرد منهم. وحد الخلو: حصول الشئ وحده. والفرق بين الخلو والفراغ، أن الخلو إذا لم يكن مع الشئ غيره، وقد يفرغ منه وهو معه. فإذا قلت خلا منه فليس معه. والكسب: العمل الذي يجلب به نفع، أو يدفع به ضرر عن النفس. وكسب لأهله: إذا اجتلب، ذلك لهم بعلاج ومراس. ولذلك لا يجوز في صفة الله.
وقوله " ولا تسألون عما كانوا يعملون " معناه انه لا يقال لكم اعملوا كذا وكذا. وعلى جهة المطالبة بما يلزمهم من أجل عملهم. كما لا يقال لهم لم عملتم أنتم كذا وكذا.
وإنما يطالب كل انسان بعمله دون عمل غيره كما قال: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " (5) وفي الآية دلالة على بطلان قول المجبرة: إن الأبناء يؤخذون بذنوب الآباء.
ويؤخذ الطفل بذنب أبيه، لان الله تعالى نفى ذلك ومثله قوله: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " وقوله: " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم " (6). والإشارة بقوله: " تلك أمة " إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ولدهم.
يقول الله تعالى لليهود والنصارى: يا معشر اليهود والنصارى دعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم بغير ما هم أهله، ولا تنسبوا إليهم الكفر، واليهودية والنصرانية، ولا تضيفوها إليهم وإنها أمة قد خلت ولا تسألون أنتم عما كانوا يعملون.
الاعراب:
وقوله " لها ما كسبت " يحتمل أن يكون موضعه نصب بأنه حال كأنه قال: قد يلزمها ما تستحقه بعملها. ويجوز أن لا يكون لها موضع لأنها مستأنفة.
ولا يكون جزء من الجزء الأول، لكن تكون متصلة به في المعنى وان لم تكن جزء منه، لأنهما خبران في المعنى عن شئ واحد. كأنه قيل للجماعة. قد خلت. والجماعة لها ما كسبت.
1- سورة يوسف: آية 45.
2- سورة النحل: آية 120.
3- ديوانه. رقم القصيدة 4. وروايته (عظام القباب) بدل (حسان الوجوه). وفي اللسان (أمم) (بيض الوجوه).
4- اللسان (أمم). وصدر البيت: حلفت فلم اترك لنفسك ريبة في المخطوطة والمطبوعة (وهو طالع).
5- سورة الأنعام: آية 164.
6- سورة المؤمن: آية 17.