الآية 107

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾

المعنى:

" الولي " في الآية: هو القيم بالامر. من وليه الشئ. ومنه ولي عهد المسلمين. ومعنى قوله: " من دون الله " سوى الله. قال أمية بن أبي الصلت:

يا نفس مالك دون الله من واقي * وما على حدثان الدهر من باقي (1)

وفي قوله: " مالكم من دون الله من ولي ولا نصير " ثلاثة أوجه:

أحدها: التحذير من سخط الله وعقابه إذ لا أحد يمنع منه.

والثاني: التسكين لنفوسهم: ان الله ناصرهم دون غيره، إذ لا يعتد بنصر أحد مع نصره.

والثالث: التفريق بين حالهم، وحال عباد الأوثان. مدحا وذما لأولئك. وبهذا قال أبو علي الجبائي، وإنما للنبي " ص " " ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض " وإن كان النبي " ص " عالما بان له ملك كله، لامرين:

أحدهما: التقرير والتنبيه الذي يؤول إلى معنى الايجاب كما قال جرير:

ألستم خير من ركب المطايا * واندى العالمين بطون راح؟

وانكر الطبري ان يدخل حرف الاستفهام على حرف الجحد بمعنى الاثبات والبيت الذي أنشدناه، يفسد ما قاله، وأيضا قوله: " أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى " (2) وقوله: " أليس الله بكاف عبده " (3) وغير ذلك يفسد ما قاله.

والوجه الثاني: انه خطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به أمته كما قال: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " (4) وقال جميل بن معمر:

ألا ان جيراني العشية رائح * دعتهم دواع من هوى ومنادح (5)

وإنما يحسن ذلك، لان غرضه الخبر عن واحد فلذلك قال: رائح وقال أيضا:

خليلي فيما عشتما هل رأيتما * قتيلا بكى من حب قاتله قبلي (6)

يريد قاتلته، فكنى بالمذكر بالمذكر عن المؤنث. قال الكميت:

إلى السراج المنير احمد لا * يعدلني رغبة ولا رهب (7)

عنه إلى غيره ولو رفع الناس * إلي العيون وارتقبوا (8)

وقيل أفرطت بل قصدت ولو * عنفني القائلون أو ثلبوا (9)

لج بتفضيلك اللسان ولو * أكثر فيك الضجاج واللجب (10)

أنت المصفى المحض المهذب في * النسبة إن نص قومك النسب (11)

قالوا: إنما خرج كلامه على وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله، وأراد به أهل بيته بدلالة قوله: ولو أكثر فيك الضجاج واللجب، لأنه لا أحد يوصف من المسلمين بتعنيف مادح النبي صلى الله عليه وآله ولا باكثار الضجاج واللجب في إطناب القول فيه، وإنما قال: " له ملك السماوات " ولم يقل ملك، لأنه أراد ملك السلطان والملكة دون الملك. يقال من ذلك: ملك فلان على هذا الشئ يملكه ملكا وملكا وملكا. والنصير فعيل من قولك: نصرتك أنصرك فأنا ناصر ونصير، وهو المؤيد والمقوي.


1- سورة الانسان: آية 40.

2- سورة الزمر: آية 36.

3- سورة الطلاق: آية 2.

4- لم نجده في ديوانه، منادح: البلاد الواسعة البعيدة.

5- الأمالي 2: 74 والأغاني 1: 117 و 7: 140. في المخطوطة والمطبوعة " أو " بدل " هل ".

6- الهاشميات 34 والحيوان للجاحظ 170 - 171.

7- " عنه إلى غيره " متعلق بقوله: " لا يعدلني.. " في البيت قبله.

8- أفرطت: جاوزت الحد. قصدت: عدلت بين الافراط والتقصير. الثلب: العيب والذم. في المخطوطة والمطبوعة " العالمون " بدل " القائلون ".

9- فيك - هنا -: بسببك ومن اجلك. الضجاج: مصدر ضاجه - بتشديد الجيم - يضاجه مضاجة وضجاجا: المشاغبة مع الصياح. واللجب ارتفاع الأصوات واختلاطها طلبا للغلبة.

10- هذب الشئ: نقاه من كل ما يعيب. نص الشئ: رفعه وأبانه. يعني أبان فضلهم على غيرهم.

11- سورة الإسراء: آية 92.