الآية 76

قوله تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾

هذه الآية فيها اخبار عمن رفع الله الطمع في ايمانهم من يهود بني إسرائيل الذين كانوا بين أظهرهم فقال: أفتطمعون أيها المؤمنون ان يؤمنوا لكم، وهم القوم الذين كان فريق منهم يسمعون كلام، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، وهم الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا: أي صدقنا بمحمد صلى الله عليه وآله وبما صدقتم به وأقررنا بذلك. فأخبر الله بأنهم تخلقوا باخلاق المنافقين وسلكوا منهاجهم. " وإذا خلا بعضهم إلى بعض ": أي إذا خلا بعض هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم، إلى بعض منهم فصاروا في خلاء الناس، وذلك هو الموضع الذي ليس فيه غيرهم، قالوا - يعني بعضهم لبعض -: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم. وقال ابن عباس بما فتح الله عليكم أي بما ألزمكم الله به. فيقول له آخرون إنما نستهزئ بهم ونضحك.

وروى سعيد ابن جبير عن ابن عباس ان معناه قالوا لا تحدثوا العرب بهذا. فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم. فأنزل الله هذه الآية: أي تقرون بأنه نبي وقد علمتم انه قد اخذ له الميثاق عليكم باتباعه وهو يخبركم بأنه النبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا. اجحدوه ولا تقروا به لهم.

فقال الله تعالى: " أو لا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " (1) وقال أبو العالية: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم: اي بما أنزله في كتابكم من بعث محمد صلى الله عليه وآله وبه قال قتادة وقال مجاهد: ذلك قول يهود بني قريظة حين سبهم النبي صلى الله عليه وآله بأنهم اخوة القردة والخنازير.

قالوا من حدثك بهذا - حين ارسل إليهم عليا (ع) فأذوا محمدا صلى الله عليه وآله - فقال: يا اخوة القردة والخنازير قال بعضهم لبعض: ما اخبره بهذا إلا منكم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم، ليكون لهم حجة عليكم؟وقال السدي: هؤلاء ناس آمنوا من اليهود ثم نافقوا وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب ليحاجوكم به، ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم وأكرم عليه منكم؟ومثله روي عن أبي جعفر " ع " واصل الباب الفتح في لغة العرب: القضاء والنصرة والحكم.

يقال اللهم افتح بيني وبين فلان: أي احكم بيني وبينه، ومنه قوله تعالى: " ويقولون متى هذا الفتح " (2) يعني هذا القضاء فقال تعالى: " قل يوم الفتح (3) يعني يوم القضاء.

وقال الشاعر:

ألا أبلغ بني عصم رسولا * فاني عن فتاحتكم غني (4)

ويقال للقاضي الفتاح قال الله تعالى: " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين " (5) يعني احكم به. ويقال فتح بمعنى علم، فقال افتح على هذا أي اعلمني بما عندك فيه. وإذا كان معنى الفتح ما وصف فقد بان ان معنى الآية. أتحدثونهم بما حكم الله عليكم وقضاه فيكم، ومن حكمه ما أخذ به ميثاقهم من الايمان بمحمد " ص " بما بينه في التوراة ومن قضائه انه جعل منهم القردة والخنازير.

فإذا ثبت ذلك، فان أقوى التأويلات: قول من قال: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من بعث محمد " ص " وصفته في التوراة، وانه رسول الله " ص " إلى خلقه.

وروي عن أبي جعفر " ع " أنه قال: كان قوم من اليهود ليسوا بالمعاندين المتواطئين، إذا لقوا المسلمين، حدثوهم بما في التوراة من صفة محمد " ص " فنهاهم كبراؤهم عن ذلك، وقالوا: لا تخبروهم بما في التوراة من صفة محمد " ص " فيحاجوكم به عند ربكم، فنزلت الآية.

ومعنى قوله: " أفلا تعقلون " أفلا تفهمون أيها القوم أن اخباركم محمد " ص " وأصحابه، بما تحدثونهم به واقراركم لهم بما تقرون لهم من وجودكم بعث محمد في كتبكم وانه نبي مبعوث حجة عليكم عند ربكم يحتجون بها عليكم.

وقال أبو عبيدة " بما فتح الله عليكم " أي بما من عليكم وأعطاكم ليحاجوكم به. وقال الحسن: في قوله " ليحاجوكم به عند ربكم " أي في ربكم فيكونوا أولى منكم إذا كانت حجتهم عليكم. قال الحسن: ثم رجع إلى المؤمنين فقال: " أفلا تعقلون " أيها المؤمنون فلا تطمعوا في ذلك.


1- سورة البقرة آية 77.

2- سورة آلم السجدة آية 28.

3- سورة آلم السجدة آية 29.

4- ينسب للأشعري الجعفي ومحمد بن حمران بن أبي حمران. أمالي القالي: 281. اللسان: " فتح " وبنو عصم هم رهط عمرو بن معديكرب الزبيدي.

5- سورة الأعراف آية: 89.