الآية 63
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
تقديره: واذكروا إذ أخذنا ميثاقكم.
اللغة:
الميثاق: المفعال من الوثيقة، واما بيمين، واما بعهد وغير ذلك من الوثائق.والميثاق الذي اخذه الله هو الذي ذكره في قوله: " وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين احسانا " (1) في الآيات التي ذكر بعدها.
ويحتمل أن يكون أراد الميثاق الذي اخذ الله على الرسل في قوله: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم " (2) وقوله: " وإذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم واخذتم على ذلكم إصري " (3) وقد بينا ان اخذ العهد هو ما نصب لهم من الحجج الواضحة، والبراهين الصحيحة الدالة على توحيده، وعدله، وصدق أنبيائه ورسله.
وأفسدنا ما يقوله أهل الحشو: من استخراج الذرية من ظهر آدم، واخذ العهد عليهم بما لا يحتاج إلى اعادته.وقوله: " ورفعنا فوقكم الطور ".قال مجاهد: الطور هو الجبل.وكذلك هو في اللغة.
وقال العجاج:
دانى جناحيه من الطور فمر * تقضي البازي إذا البازي كسر (4)
وقيل: إنه اسم جبل بعينه.ناجى الله عليه موسى بن عمران.ذهب إليه ابن عباس وابن جريج.وقيل: انه من الجبال التي تنبت دون ما لا تنبت (5).رواه الضحاك عن ابن عباس وقال قتادة " ورفعنا فوقكم الطور " قال: الطور الجبل اقتلعه فرفعه فوقهم.فقال: " خذوا ما اتيناكم بقوة " وقال مجاهد: الطور اسم جبل بالسريانية وقال قتادة: بالعربية.
وقال قوم من النحويين: معنى خذوا تقديره ورفعنا فوقكم الطور وقلنا لكم خذوا ما اتيناكم يعني التوراة بقوة.اي بجد ويقين، لا شك فيه والا قذفناه (6) عليكم كما تقول: أوجبت عليه قم (7) اي أوجبت عليه فقلت (8) قم.
وقال الفراء: اخذ الميثاق: قول بلا حاجة بالكلام إلى اضمار قول.فيكون من كلامين.غير أنه ينبغي لكل ما خالف القول من الكلام الذي هو بمعنى القول، أن تكون معه أن كما قال تعالى: " انا أرسلنا نوحا إلى قومه ان انذر قومك " (9) قال ويجوز حذف أن ومعنى " ما اتيناكم " أي أعطيناكم لان الايتاء هو الاعطاء.يعني ما أمرناكم به في التوراة." بقوة ": أي بجد ويقين على ما بيناه.وهو قول ابن عباس وقتادة، والسدي.
وقال أبو العالية والربيع بن انس: بطاعة الله وقال مجاهد: إنه العمل بما فيه وحكي عن ابن الجران معناه: القبول: وقال: أبو علي: " بقوة " معناه: بالقدرة التي جعلنا فيكم.وذلك دلالة على أن القدرة قبل الفعل.ومعنى اذكروا ما فيه.
قال قوم: احفظوه، لا تنسوه.وقال آخرون: اعملوا بما فيه ولا تتركوه.والمعنى في ذلك ان ما اتيناكم فيه من وعد ووعيد، وترغيب وترهيب اعتبروا به، واقبلوه وتدبروه، كي إذا فعلتم ذلك تتقوني وتخافوا عذابي بالاصرار على ضلالتكم فتنتهوا إلى طاعتي فتنزعوا عما أنتم عليه من المعصية.
1- سورة البقرة آية 83.
2- سورة الأحزاب: آية 7.
3- سورة آل عمران: آية 187.
4- ديوانه دانى جناحيه: ضم جناحيه. تقضى: أصلها تقضض، وتقضض الطائر: هوى في طيرانه. والبازي: ضرب من الصقور: كسر الطائر جناحيه ضمهما قليلا يريد النزول.
5- وهذا معنى اصطلاحي منقول عن ابن عباس كما ترى لا كما توهمه الأستاذ محمود محمد شاكر في حاشيته على تفسير الطبري 2، 157. هذا نص حاشيته " هذا قول لم أجده في كتب اللغة في مادته.
6- في المخطوطة والمطبوعة " قدمناه " وهو تصحيف.
7- في المطبوعة " قمر ".
8- في المطبوعة " قمر ".
9- سورة نوح آية 1.