الآية 57
قوله تعالى: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾
قوله: " وظللنا " عطف على قوله " ثم بعثناكم من بعد موتكم " وكأن التقدير ثم بعثناكم من بعد موتكم وظللنا عليكم الغمام.والظلمة والغمامة والسترة نظائر في اللغة.تقول: ظل يظل ظلولا.واظل اظلالا.واستظل واستظلالا.وتظلل تظللا.وظلله تظليلا.قال صاحب العين: تقول ظل نهاره فلان صائما.ولا تقول العرب: ظل إلا لكل عمل بالنهار.كما لا تقول: بات إلا بالليل.وربما جاءت ظل في اشعارهم نادرا.ومن العرب من يحذف لام ظللت، ونحوها فاما أهل الحجاز فيكسرون الظاء على كسر اللام التي ألقيت فيقولون: ظللنا وظللتم.كما قال تعالى " فظللتم تفكهون " (1) والمصدر: الظلول.فالامر فيه أظلل والظل ضد القبح ونقيضه.ويقال لسواد الليل، فيسمى ظلا.وجمعه ظلال.قال الله تعالى: " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا " (2) يعني الليل.والظل في كلام العرب هو الليل.وتقول أظلتني هذه الشجرة اظلالا.والمكان الظليل: الدائم الظل.وقد دامت ظلاله.والظلة كهيئة الصفة، وقوله: " عذاب يوم الظلة " (3) يقال هو عذاب يوم الصفة.والظلة البرطلة.والاظلال: الدنو يقول قد أظلك فلان اي كأنه القى عليك ظله من قربه.وتقول لا تجاوز ظل ظلك وملاعب ظله: طائر يسمى بذلك.والاظل: باطن منسم البعير وجمعه اظلال قال الشاعر: يشكو الوجى من أظلل واظلل يعني من أظل واظل.
فاظهر التضعيف بضرورة الشعر قال لبيد: بنكيب معر دامي الاظل (4) أراد بخف نكيب: منكوب نكبته الحجارة معر: ساقط الشعر أملس.والظل كون النهار تغلب عليه الشمس قال رؤبة: كل موضع تكون فنزول عنه ظل وفى.يقالان جميعا.وما سوى ذلك يقال له ظل ولا يقال: فيه الفئ.والظل الظليل: الجنة قال الله تعالى: " وندخلهم ظلا ظليلا " (5) والظل: الخيال الذي يرى من الجن وغيره.والمظلة أيضا تتخذ من خشب وغيره يستظل بها والظل: المنعة والعز.كذا ذكر ابن دريد يقال: فلان في ظل فلان اي في عزه وأصل الباب: التظليل.وهو الستر والاظلال الدنو: كدنو الساتر وحد التظليل الستر من علة.والغمام: السحاب والقطعة منها غمامة تقول: يوم غم، وليلة غمة وامر غام.ورجل مغموم، ومغتم، ذو غم.وفلان في غمة من امره: إذا لم يهتدله.
والغماء: الشديدة من شدائد الدهر، ورجل أغم، وجبهة غماء: كثيرة الشعر تقول منه: غم يغم.وكذلك في القفا.قال الشاعر:
فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا * أغم الققا والوجه ليس بانزعا
والغميم: الغمس وهو ان يسحق حتى يغلط.والغم: ضد الفرح.والغمة: الغطاء على القلب من الغم.والغمة: الضيقة تقول: اللهم احسر عنا هذه الغمة أي الضيقة.وغم الهلال إذا غطاه الغيم.وكل شئ غطيته فقد غميته ولذلك سمي الرطب الغموم وهو الذي يوضع في جرة وهو بسر ثم يغطى حتى يرطب.والغمام اشتق من هذا، لأنه يغطى السماء، ورجل أغم.وامرأة غماء إذا دنا قصاص الشعر من حاجبه حتى يغطى جبهته، وكذلك هو في القفا.وأصل الباب الغطاء.
المعنى:
يوم الغمام الذي ظلل على بني إسرائيل.قال ابن عباس ومجاهد: لم يكن بالسحاب، ولكنه الذي عنى في قوله: " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ".(6) وهو الغمام الذي أتت فيه الملائكة يوم بدر، ولم يكن لغيرهم.قال ابن عباس كان معهم في التيه وقيل هو ما ابيض من السحاب.واما المن قال ابن عباس: هو المن الذي يعرفه الناس يسقط على الشجر وقال قتادة: كان المن ينزل عليهم مثل الثلج.وقيل هو عسل وقيل خبز مرقق وقيل هو الزنجبيل.وقيل هو شئ كالصمغ كان يقع على الأشجار وطعمه كالشهد والعسل عن مجاهد وقال الزجاج: جملة المن ما من الله تعالى على عباده مما لا تعب فيه ولا نصب.وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين.
قال بعض أهل العلم يعني بمائها الوسمي الذي يكون منها الكمأ وهو أول مطر يجئ في الخريف.وقيل هو الذي يسقط على الثمام.والمن حلو كالعسل.وإياه عنى الأعشى في قوله:
لو أطعموا المن والسلوى مكانهم * ما أبصر الناس طعما فيهم نجعا (7)
وجعله أمية بن أبي الصلت في شعره عسلا فقال:
ورأي الله انهم بمضيع * لا بذي مزرع ولا معمورا (8)
فنساها عليهم غاديات * ومرى مزنهم خلايا وخورا (9)
عسلا ناطفا وماء فراتا * وحليبا ذا بهجة مثمورا (10)
الناطف: القاطر والصافي من اللبن والمن قطع الخير قال الله تعالى لهم " اجر غير ممنون " أي غير مقطوع.والمن: هو الاحسان إلى من لا يستثنيه والاسم هو المنة والله تعالى المنان علينا الرحيم والمنة: قوة القلب.يقال ضعيف المنة ويقال ليست لقلبه منة والمنون: الموت.وهو اسم مؤنث.
قال ابن دريد: من يمن منا: إذا اعتقد منه ومن عليه بيد أسداها إليه إذا قرعه بها.واصل الباب: الاحسان.فالمن الذي كان يسقط على بني إسرائيل مما من الله عليهم أي أحسن به إليهم.واما السلوى فقال ابن عباس: هو السماني وقيل: هو طائر كالسماني وواحده سلوى قال الأخفش: لم اسمع له بواحد.قال: ويجوز أن يكون واحده سلوى مثل جماعته كما قالوا دفلى للواحد والجماعة.وقال الخليل واحده سلواة قال الشاعر: كما انتفض السلواة بلله القطر ويقال سلا فلان يسلو عن فلان: إذا تسلى عنه.وفلان في سلوة من العيش إذا كان في رغد يسليه الهم.والسلوان: ماء من شربه ذهب غمه على ما يقال ويقال هذا مثل يضرب لمن سلا عن شئ يقال سقي سلوة وسلوانا.وقال ابن دريد: سلا يسلو سلوا، وسلوا وسلوة والسلوانة: خرزة زعموا انهم إذا صبوا عليها الماء، فسقي منها الرجل، سلا واصل الباب السلو، وهو زوال الهم.
سبب نزول المن والسلوى:
وكان سبب انزال المن والسلوى عليهم انه لما ابتلاهم الله تعالى بالتيه، حين قالوا لموسى: " اذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون " (11) فامرهم بالمسير إلى بيت المقدس، فلما ساروا تاهوا في قدر خمس فراسخ أو الستة.فلما أصبحوا ساروا عادين فأمسوا، فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه فلم يزالوا كذلك، حتى تمت أربعين سنة، تفضل عليهم في تلك الحال، وأحسن إليهم، وانزل عليهم المن والسلوى.وكانت ريح الجنوب تحشره عليهم قال ابن جريج: كان الرجل إذا اخذ من المن والسلوى زيادة على طعام يوم واحد، فسد إلا يوم الجمعة فإنهم إذا اخذوا طعام يومين لم يفسد.
الاعراب:
وموضع " كلوا نصب على وقلنا كلوا كذا قال الرماني: وقيل في معنى " الطيبات " قولان:
أحدهما: انه المشتهى اللذيذ
والثاني: انه المباح الحلال الذي يستلذا كله.وقوله: " وما ظلمونا "
المعنى:
إنما يتصل بما قبله بتقدير محذوف فكأنه قال فخالفوا ما امر الله به أو كفروا هذه النعمة." وما ظلمونا " قال ابن عباس وما نقصونا، ولكن كانوا أنفسهم ينقصون.وقال غيره: معناه وما ضرونا، ولكن كانوا أنفسهم يضرون.قال أبو علي الظلم الذي لا يستحقه المضرور ممن قصده وليس للمضرور فيه نفع.وقال الرماني حقيقة الضرر القبيح.
والصحيح في حقيقة الظلم ما ذكرناه فيما مضى هو الضرر الذي لا نفع فيه يوفي عليه، ولا دفع ضرر أعظم منه عاجلا وآجلا ولا يكون واقعا على وجه المدافعة فاما ما قاله الرماني فهو حد الشئ نفسه، لان السؤال باق ولقائل ان يقول: وما الضرر إلا القبيح، لان كونه قبيحا حكم من احكامه فلابد من بيان ذلك حينئذ.
وما ذكره أبو علي ينتقض بالألم الواقع على وجه المدافعة وبالألم الذي فيه وجه ضرر أعظم منه عن الضرورة، وبالضرر الذي فيه نفع يوازيه وروي عن عن الصادق (ع) أنه قال: المن كان ينزل على بني إسرائيل من بعد طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس فمن نام في ذلك الوقت، لم ينزل عليه نصيبه فلذلك يكره النوم في هذا الوقت إلى بعد طلوع الشمس.
1- سورة الفرقان آية: 45.
2- سورة الشعراء آية: 189.
3- اللسان (معر) وصدره: وتصك المرو لما هجرن.
4- سورة النساء آية: 56.
5- سورة البقرة: آية 210.
6- ديوانه. ومن قصيدة طويلة يمدح بها ذا التاج هوذة ابن علي الحنفي صاحب اليمامة. الطعم: مآكل من الطعام. ونجع الطعام في الانسان: استمرأه آكله وصلح عليه.
7- ديوانه يقال: هو بدار مضيعة: كأنه فيها ضائع. مزرع مصدر ميمي من زرع يعني ليس بذي زرع. معمورا آهل ونصب معمورا عطفا على بذي مزرع في المطبوعة والمخطوطة " ورأي " بدل " فرأى " " مثمورا " بدل " معمورا ".
8- فنساها من نسأها. ونسأ الدابة زجرها وساقها. غاديات جمع غادية وهي السحابة التي تنشأ غدوة. ومرى الناقة مربا مسح ضرعها لتدر. والمزن جمع مزية وهي السحابة ذات الماء. وخلايا جمع خلية وهي الناقة التي خليت للحلب لغزارة لبنها. الخور: إبل حمر تميل إلى الغبرة. في المخطوطة والمطبوعة بدل " فنساها " " فسناها " وبدل " مري " " قرى ". وبدل " مزنهم " " منهم " وبدل " وخورا " " وعورا ".
9- ناطف قطر والفرات. أشد الماء عذوبة.
10- سورة المائدة آية: 27.
11- سورة الكهف: آية 60.