الآية 52

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾

قيل في معنى ما وقع العفو عنهم بقوله: (ثم عفونا عنكم) قولان:

أحدهما: انا تركنا معاجلتكم بالعقوبة من بعد اتخاذكم العجل إلها.

والآخر: عفونا عنكم بقبول التوبة من عبادة العجل.

اللغة:

والعفو، والصفح، والمغفرة، والتجاوز، نظائر.فالمغفرة نقيض العقوبة.ويقال عفا عفوا واعفاه واعفاء واستعفى استعفاء، وعفى تعفية وعافاه معافاة وتعفى تعفيا.وتعافى تعافيا، واعتفاه اعتفاء.والعفو أحل المال وأطيبه.والعفو: المعروف.والعفاة: طلاب المعروف.وهم المعتفون.تقول: اعتفيت فلانا إذا طلبت معروفه وفضله.والعافية من الطير والدواب الرزق.اسم جامع لها.ومنه قوله (ع) من غرس شجرة مثمرة فما اكلت العافية منها كتب له صدقة.والعافية دفاع الله عن العبد يقول عافاه الله من مكروه وهو يعافيه معافاة.والاستعفاء: ان تطلب إلى من كلفك امرا ان يعفيك منه، وعفى الشئ: إذا كثروا عفيته: إذا أكثرته: قال تعالى " حتى عفوا ".ومنه اعفاء اللحية: اكثارها.وعفى: درس يقال اخذ من فلان ما عفا، وصفا.والعفا: التراب نقول: يعفيه العفا.وعليه العفا.والعفا الدروس قال زهير: على اثار ما ذهب العفاء ومنه عفت الديار.والريح تعفو الديار عفاء، وعفوا.وتعفت الدار والأثر تعفيا والعفوة والعفوة والعفوة.والجمع العفو: وهي الحمر الافتأ والفتيات.والعفاء.ما كثر من الوبر والريش وناقة ذات عفاء كثيرة الوبر طويلة والعفو: ولد الأتان الوحشية.وأصل الباب: الترك.ومنه قوله: " فمن عفي له من أخيه شئ " من ترك له.وعفو الشئ صفوه ومعنى " لعلكم " في الآية لكي تشكروا وقيل: معناه التعريض كأنه قال: عرضناكم للشكر.

وقوله: " من بعد ذلك " - وإن كان إشارة إلى الواحد - فمعناه الجمع.وإنما كان ذلك كذلك، لان ذا اسم مبهم فمرة يأتي على الأصل، ومرة يأتي على مشاكلة اللفظ.إذا كان لفظ المبهم على الواحد وإن كان معناه الجمع على أنه قد يخاطب بلفظ الواحد ويراد به الجمع كقوله: " يا أيها النبي " ثم قال: " إذا طلقتم النساء ".وقوله: " من بعد ذلك " إشارة إلى اتخاذهم العجل إلها.وقوله: " لعلكم تشكرون ".

اللغة:

فالشكر: هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم.قال الرماني: الشكر هو الاظهار للنعمة.والصحيح هو الأول لأنه قد يظهر النعمة من لا يكون شاكرا لها.والفرق بين الشكر والمكافأة ان المكافأة من التكافؤ وهو التساوي، وليس كذلك الشكر ففي مكافأة النعمة دلالة على أنه قد استوفى حقها.

وقد يكون الشكر مقصرا عنها وإن كان ليس على المنعم عليه أكثر منه الا انه كلما ازداد من الشكر، حسن له الازدياد وان لم يكن واجبا لان الواجب لا يكون إلا متناهيا وذلك كالشكر لنعمة الله لو استكثرته غاية الاستكثار لم يكن لينتهي إلي حد لا يجوز له الازدياد لعظم نعم الله عز وجل وصغر شكر العبد.

ويقال: شكر شكرا، وشكورا، وتشكر تشكرا.والشكور، من الدواب ما يكفيه قليل العلف لسمنه.والشكر من الحيوانات: التي تصيب حظا من بقل أو مرعى فتغزر ليتها بعد قلة.يقال اشكر القوم: إذا أنزلوا منزلا فأصابت نعمهم شيئا من بقل، فدرت عليه، وانهم ليحلبون شكرة بجزم الكاف وقد شكرت الحلوبة شكرا: والشكير شعر ضعيف ينبت خلال الشيب.وكذلك ما ينبت من ساق الشجر قضبان تخرج غفه بين قضبان عاسية يقال له الشكر واشكر ضرع الناقة إذا امتلأ لبنا والشكر بضع المرأة.

وأصل الباب: الظهور ولا يستحق الكافر الشكر على وجه الاجلال والانعام، والكافر لا يستحق كذلك وإنما يجب له مكافاة نعمته كما يجب قضاء دينه على وجه الخروج إليه من غير تعظيم له ويسمى ذلك شكرا والشكر لا يستحق الا على نعمة ومعنى قولنا في الله انه غفور شكور انه يجازي العبد على طاعاته من غير أن ينقصه شيئا مين حقه فجعل المجازاة على الطاعة شكرا في مجاز اللغة ولا يستحق الانسان الشكر على نفسه لأنه لا يكون منعما على نفسه كما لا يكون مقرضا لنفسه والنعمة تقتضي منعما غير المنعم عليه.

كما أن القرض يقتضي مقترضا، غير المقرض وقد يصح ان يحسن إلى نفسه كما يصح أن يسئ إليها، لان الاحسان من المحسن.فإذا فعل بها فعلا حسنا ينتفع به، كان محسنا إليها بذلك الفعل، وإذا فعل بها قبيحا كان مسيئا إليها.والشكر متعلق في الآية بعفو الله عنهم، ونعمه عليهم: كأنه قال: لتشكروا الله على عفوه عنكم وسائر نعمه عليكم.