الآيات 26-30
قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ، قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ، قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ، مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ، يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾
القراءة:
قرأ نافع وأبو بكر عن عاصم (يوم يقول) بالياء بمعنى يقول الله تعالى (لجهنم) الباقون بالنون على وجه الاخبار من الله عن نفسه و (يوم) متعلق بقوله (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) وقيل: إنه متعلق بمحذوف بتقدير (إذكر) يا محمد يوم، وقوله (الذي جعل) موضعه الجر، لأنه من صفة (كفار عنيد مناع للخير معتد مريب.. الذي جعل مع الله إلها آخر) أي اتخذ مع الله معبودا آخر من الأصنام والأوثان، ووجه قرباته إليه. والجعل تكوين الشئ على غير ما كان بقادر عليه فمن جعل مع الله إله آخر فقد صير ذلك الشئ على غير ما كان عليه باعتقاده انه إله آخر مع الله وذلك جعل منه عظيم وذهاب عن الصواب بعيد، فيقول الله للملكين الموكلين به يوم القيامة (ألقياه) أي الرحاه (في العذاب الشديد) والالقاء الرمي بالشئ إلى جهة السفل، وقولهم: ألقي عليه مسألة بمعنى طرحها عليه مشبه بذلك. واصل اللقاء المماسة، والالتقاء من هذا ففي الالقاء طلب مماسة الشئ الأرض بالرمي (قال قرينه ربنا ما أطغيته) قال ابن عباس: قرينه - ههنا - شيطانه. وبه قال مجاهد وقتادة والضحاك. وسمي قرينه لأنه يقرن به في العذاب، وهو غير قرينه الذي معه يشهد عليه، والقرين نظير الشئ من جهة مصيره بإزائه. حكى الله عن شيطانه الذي أغواه انه يقول " ما أطغيته " فالاطغاء الاخراج إلى الطغيان، وهو تجاوز الحد في الفساد إطغاء وطغى يطغى طغيانا، فهو طاغ. والأول مطغى. وقال الحسن: ما أطغيته باستكراه، وهو من دعاه إلى الطغيان. والمعنى لم أجعله طاغيا " ولكن كان " هو بسوء اختياره " في ضلال " عن الايمان " بعيد " عن اتباعه. ومثله قوله " وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي " (1) فيقول الله تعالى لهم " لا تختصموا لدي " أي لا يخاصم بعضكم بعضا عندي (وقد قدمت إليكم بالوعيد) في دار التكيف، فلم تنزجروا وخالفتم أمري (ما يبدل القول لدي) معناه إن الذي قدمته إليكم في الدنيا من أني أعاقب من جحدني وكذب برسلي وخالفني في أمري لا يبدل بغيره، ولا يكون خلافه (وما أنا بظلام للعبيد) أي لست بظالم لاحد في عقابي لمن استحقه بل هو الظلام لنفسه بارتكاب المعاصي التي استحق بها ذلك. وإنما قال: بظلام للعبيد على وجه المبالغة ردا لقول من أضاف جميع الظلم إليه - تعالى الله عن ذلك -. وقوله (يوم نقول لجهنم) من قرأ بالنون فعلى وجه الاخبار من الله عن نفسه. ومن قرأ - بالياء - وهو نافع وأبو بكر، فعلى تقدير يقول الله لجهنم (هل امتلأت) من كثرة من ألقي فيك من العصاة (فتقول) جهنم (هل من مزيد) أي ما من مزيد؟أي ليس يسعني أكثر من ذلك. وقال قوم: هذا خطاب من الله لخزنة جهنم على وجه التقريع والتقرير لهم هل امتلأت جهنم، فتقول الخزنة هل من مزيد؟وقال قوم: وهو الأظهر إن الكلام خرج مخرج المثل أي ان جهنم من سعتها وعظمها في ما يظهر من حالها بمنزلة الناطقة التي إذا قيل لها هل امتلأت فتقول هل من مزيد أي لم امتلئ اي في سعة كثرة، ومثله قول الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني * مهلا رويدا قد ملأت بطني (2)
والحوض لم يقل شيئا، وإنما أخبر عن امتلائها وانها لو كانت ممن تنطق لقالت قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني. وكذلك القول في الآية. وقال الحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء: معنى هل من مزيد ما من مزيد، وانه بمعنى لا مزيد وأنكروا أن يكون طلبا للزيادة، لقوله (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (3) وقال بعضهم: هذا ليس بمنكر من وجهين:
أحدهما: أن يكون ذلك حكاية عن الحال التي قبل دخول جميع أهل النار فيها ولم تمتلأ بعد وان امتلأت في ما بعد.
الآخر: أن يكون طلب الزيادة بشرط ان يزاد في سعتها. وقال قوم: هل من مزيد بمنزلة قول النبي صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة وقد قيل له ألا تنزل دارك، فقال (وهل ترك لنا عقيل من ربع) لأنه كل قد باع دور بني هاشم لما خرجوا إلى المدينة، وإنما أراد ان يقول: لم يترك لنا دارا. وقال انس بن مالك: هل من مزيد طلبا للزيادة. وقال مجاهد: هو بمعنى الكفاية.
1- سورة 14 إبراهيم آية 22.
2- مر في 1 / 431 و 8 / 85، 369، 471.
3- هود آية 119.