الآية 49
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾
هذه الآية عطف على ما تقدم من قوله " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " ف? " إذا " ههنا متعلقة بذلك كأنه قال اذكروا نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون ونظيره " والى ثمود أخاهم صالحا " (1) لما تقدم ما يدل على " أرسلنا " وهو قوله: " لقد أرسلنا نوحا إلى قومه " (2) فكأنه قال: وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا والخطاب وإن كان متوجها إلى الحاضرين في الحال، فالمراد به من سلف لهم من الآباء كما يقول القائل: هزمناكم يوم ذي قار، وقتلناكم يوم الفجار (3) وإنما يعني الأسلاف قال الأخطل يهجو جريرا:
ولقد سما لكم الهذيل قتالكم * باراب حيث يقسم الانفالا (4)
وجرير لم يلحق هذيلا ولا أدرك اراب وقد بينا ان النعمة على الآباء نعمة على الأولاد، فلا وجه لإعادته.
اللغة:
ومعنى " نجيناكم " فالنجاة، والسلامة، والاسعاد، والتخلص نظائر وضد النجاة الهلاك تقول: نجا ينجو نجاة وأنجاه الله: إنجاء ونجاه تنجية وأنتجوا انتجاء واستنجى استنجاء، وتناجوا تناجيا قال صاحب العين: نجا ينجو نجاة في السرعة فهو ناج: اي سريع وناقة ناجية اي سريعة وتقول نجوت فلانا اي استنكهته قال الشاعر:
نجوت مجالدا فوجدت منه * كريح الكلب مات حديث عهد
ونجا بنو فلان إذا أحدثوا ذنبا أو غيره، والاستنجاء: التنظيف بمدرأ وماء والنجاة هي النجوة من الأرض وهي التي لا يعلوها السيل قال الشاعر:
فمن بنجوته كمن بعقوته * والمستكن من يمشي بقرواح
والنجو: السحاب أول ما ينشأ وجمعه نجاء: والنجوة: ما خرج من البطن من ريح وغيرها والنجو: استطلاق البطن يقال: نجا فلان نجوا والنجو: كلام بين اثنين كالسر والسار تقول ناجيتهم فتناجوا بينهم، وكذلك انتجوا وهم جميعا نجوى وكلامهم نجوى، وفلان نجي فلان اي يناجيه دون غيره قال الشاعر:
إني إذا ما القوم كانوا انجيه * واضطرب القوم اضطراب الارشيه
والنجا: ما ألقيته عن نفسك من ثياب أو سلخته عن الشاة تقول: نجوت الجلد انجوه نجا إذا كشطته ونجوت العود اي اقتضبته وقال بعض المفسرين في قوله: " فاليوم ننجيك ببدنك " (5) أي نلقيك على نجوة وأصل الباب: النجوة وهي الارتفاع والفرق بين النجاة وبين التخلص ان التخلص قد يكون من تعقيد ليس بأذى وليس كذلك النجاة، لأنها لا تكون الا من مكروه وكل نجاة: نعمة ولا يقال: لمن لا خوف عليه نجا، لأنه لا يكون ناجيا الا مما يخاف مثله قوله " من آل فرعون " فالآل، والأهل، والقرابة، نظائر، وقيل أصل الآل الأهل، لأنه يصغر أهيل: وحكى الكسائي: اويل فزعموا أنها أبدلت كما قالوا: ايهات وهيهات وكما قالوا ماء واصلها ماه بدليل قولهم مويه في التصغير وفي الجمع: امواه ومياه وقيل: لابل أصل على حياله: والفرق بين الآل والأهل ان الأهل أعم منه يقال أهل الكوفة ولا يقال آل الكوفة ويقال أهل البلد ولا يقال آل البلد وآل فرعون: قومه واتباعه وقال صاحب العين: الآل كل شئ يؤول إلى شئ: إذا رجع إليه تقول: طبخت العصير حتى آل إلى كذا وأولى كلمة وعيد على وزن فعلى والآل: السراب وآل الرجل: قرابته وأهل بيته وآل البعير: الواحة، وما اقترب من أو طار جسمه وآل الخيمة عمدها والآلة: شدة من شدائد الدهر قالت الخنساء:
سأحمل نفسي على آلة * اما عليها وامالها وآل
الجبل: أطرافه ونواحيه، وقال ابن دريد آل كل شئ: شخصه وآل الرجل: أهله وقراباته قال الشاعر:
ولا تبك ميتا بعد ميت اجنه * علي وعباس وآل أبي بكر
والآلة: الحربة وأصل الباب: الأول وهو الرجوع قال أبو عبيدة: سمعت أعرابيا فصيحا يقول أهل مكة آل الله: فقلنا: ما تعني بذلك؟قال: أليسوا مسلمين، والمسلمون آل الله؟قال وقال: ليس يجوز ان ينصب رجلا من المسلمين فيقول آل فلان وإنما يجوز ذلك للرئيس المتبع وفي شبه مكة لأنها أم القرى ومثل فرعون في الضلال واتباع قومه له فان جاوزت هذا فان آل الرجل أهل بيته خاصة فقلنا له: أفيقول لقبيلته (6) آل فلان قال: لا إلا أهل بيته خاصة وفرعون اسم لملوك العمالقة كما قيل: قيصر لملك الروم وكسرى: لملك الفرس وخاقان: لملك الترك والاخشاذ: الملك الفراعنة وتبع: لملك التبابعة فهو على هذا بمعنى للصفة، لأنه يفيد فيه انه ملك العمالقة بنفس الصفة الجارية عليه وعلى غيره وقيل: ان اسم فرعون مصعب بن الريان، وقال محمد ابن إسحاق: هو الوليد بن مصعب ومعنى قوله: " يسومونكم سوء العذاب " اي يولونكم سوء العذاب.
اللغة:
يقال سامه خطة خسفا: إذا أولاه ذلك قال الشاعر: ان سيم خسفا وجهه تربدا (7) وقيل يجشمونكم سوء العذاب والسوم، والتجشم، والتجمل، نظائر يقال: سامه الشقة وجسمه إياها وحمله إياها بمعنى (واحد) يقال: سام، يسوم، سوما وساومه، واستامه، استياما وتساوموا تساوما وسوم تسويما والسوم سومك سامة ومنه المساومة والاستيام والسوم من سير الإبل وهبوب الرياح إذا كان مستمرا في سكون يقال: سامت الرياح وسامت الإبل وهي تسوم سوما والسوام هي الغنم السائمة وأكثر ما يقال ذلك في الإبل خاصة، والسائمة تسوم الكلأ سوما: إذا داومت رعيه والراعي يسيمها والمسيم الراعي والسويم: العلامة على الجبل يقال: سوم فلان فرسه: إذا اعلم عليه بحريرة أو شئ يعرف به والسما: في الأصل ياء وهاء وواو وهي العلامة التي يعرف بها الخير والشر في الانسان ومنه قوله: " سيماهم في وجوهم " (8) " وتعرفهم بسيماهم " (9) وقوله: " يعرف المجرمون بسيماهم " (10) ويقال سيماء الخير وسمت فلانا سوء العذاب من المشقة وقال ابن دريد سام الرجل ما شيته يسومها سوما إذا وعاها فالماشية سائمة والرجل مسيم ولم يقولوا سام خرج من القياس وأصل الباب: السوم (11) الذي هو ارسال الإبل في المرعى وقوله: " سوء العذاب " " واليم العذاب " " وشديد العذاب " نظائر يقال: ساءه يسوءه سوء وأساء إساءة قال صاحب العين: السوء اسم العذاب الجامع للآفات والداء تقول سؤت فلانا اسوءه مساءة ومسائية: وتقول أردت مساءتك ومسائتيك وأسأت إليه في الصنع واستاء فلان من السوء كقوله: اهتم من الهم وسؤت فلانا وسوءت له وجهه وتقول لساء ما صنع والسئ والسيئة اسم الخطيئة والسوأى فعلى اسم للفعلة السيئة بمنزلة الحسنى وامرأة سوء قبيحة والسوءة السوأى للفعلة القبيحة يقال للرجل السوء والسوأة الفرج لقوله: " فبدت لهما سوأتهما " (12) والسوأة كل عمل يشين، تقول سوأة لفلان، تعيبه لأنه ليس بخير والسوأة السؤى: المرأة المخالفة، وتقول في النكرة رجل سوء فإذا عرفته قلت: الرجل السوء لا تضيفه وتقول عمل سوء وعمل السوء ورجل صدق ولا تقول الرجل الصدق لان الرجل ليس من الصدق وكلما ذكر بسئ فهو السوء ويكنى عن البرص بالسوء كقوله: " بيضاء من غير سوء " (13) أي من غير برص وتقول: الأخير في قول السوء ولا في قول السوء فإذا فتحت السين فعلى ما وصفناه وإذا ضممته فمعناه لا تقل سوء وأصل الباب: السوء من قولك: ساء يسوء سوء، ثم كثر حتى صار علما على الضر القبيح، فقالوا أساء يسئ إساءة نقيض أحسن يحسن احسانا وقوله: " يذبحون أبناءكم ".
اللغة:
فالذبح، والنحر، والشنق: نظائر والذبح: فري الأوداج: يقال ذبح ذبحا واستذبح استذباحا: وتذابحوا تذابحا وذبح تذبيحا وأصل الذبح الشق وذبحت المسك إذا فتقت عنه، فهو ذبيح ومذبوح والذبح: الشئ المذبوح لقوله: " وفديناه بذبح عظيم " (14) والذباح والذابحة بفتح الباء وتسكينها، داء يصيب الانسان في حلقه وتقول العرب: حي الله هذه الذبحة اي هذه الطلعة والذباح: الشقوق في الرجل أصله: ذباح في رجله والذبح نور أحمر وسعد الذابح: كوكب معروف من منازل القمر قال صاحب العين: الذبح: قطع الحلقوم من باطن وموضعه المذبح والمذبح السكين الذي يذبح به الذباح والذباح نبات من الشجر قال الأعشى: " إنما قولك صاب وذبح " وقال آخر: " كان عيني فيها الصاب مذبوح " (15) وأصل الباب الشق قوله: " يستحيون نساءكم " إنما قال نساءكم وهم كانوا لا يستبقون الأطفال من البنات تغليبا، لأنهم كانوا يستبقون الصغار والكبار كما يقال: أقبل الرجال وإن كان معهم صبيان، وقيل إن اسم النساء يقع على الكبار والصغار، وقيل: انهم سمعوا بذلك على تقدير انهن يبقين حتى يصرن نساء والمرأة والنساء والزوجات، نظائر ولا واحد للنساء من لفظه ويقال: الرجال والنساء على وجه النقيض قال صاحب العين: النسوة، والنسوان، والنسين، كل ذلك مثل النساء قوله: " وفي ذلكم بلاء من بكم عظيم " البلاء، والاحسان، والنعمة، نظائر في اللغة وبلى، بلى بلى فهو بال والبلاء لغة قال الشاعر:
والمرء يبليه بلاء السربال * تناكر الليالي واختلاف الأحوال
والبلية الدابة التي كانت تشد في الجاهلية عند قبرصا حبها رأسها في الركبة حتى تموت ومنها ما يعقر عند القبر حتى يموت وناقة بلو مثل نضو قد أبلاها السفر والفعل من البلية ابتليت وتقول: بلى الانسان وابتلى والبلاء على وجهين في الخير والشر والله تعالى يبلي العبد بلاء حسنا وبلاء سيئا وأبليت فلانا عذرا أي بليت فيما بينه وبيني بما لا لوم علي بعده والبلوى: هي البلية، والبلوى التجربة تقول بلوته بلوى وأصل الباب التجربة والبلاء: الامتحان الذي فيه انعام والبلاء، الامتحان الذي فيه انتقام، فإذا أردت الانعام، قلت: أبليته بلاء حسنا وفي الاختيار: تقول بلوته بلاء قال الله تعالى: " ونبلوكم بالخير والشر فتنة " (16) وقال في الانعام: " وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا " قال زهير:
جزى الله بالاحسان ما فعلا بكم * وابلاهما خير البلاء الذي يبلو (17)
فجمع المعنين لأنه أراد: وانعم عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده، وقال الأحنف: البلاء ثم الثناء، يعني الانعام، ثم الشكر.
المعنى:
وإنما كان في استحياء النساء محنة عليهم وبلوى لهم، لأنهم كثيرا يستعبدون، وينكحن على الاسترقاق فهو على رجالهن أعظم من قتلهن وقيل: إنهن كن يستبقين للاذلال، والاستبقاء، محنة، كما أن من أحيي: للتعذيب فحياته نقمة ومن أحيي للتلذيذ فحياته نعمة والأبناء جمع ابن والمحذوف من الابن عند الأخفش الواو، لأنها أثقل وهي بالحذف أولى وقال الزجاج: يجوز أن يكون المحذوف ياء وواو أو هما سيان ولا حجة في النبوة كما لا حجة في الفتوة لقولهم فتيان قال: وقد جاء حذف الياء كما في يد كقولهم يديت إليه يدا وفي دم قال الشاعر:
فلو انا على حجر ذبحنا * جرى الدميان بالخبر اليقين
والقتل الذي هو فري الأوداج، أو نقض بنية الحياة يقدر الواحد منا عليه وأما الموت بتسكين الحركة الحيوانية، أو فعل ضد الحياة عند من قال: لها ضد، فلا يقدر عليه غير الله.
الاعراب:
وموضع " يسومونكم سوء العذاب " يحتمل أمرين من الاعراب:
أحدهما الاستئناف: فيكون موضعه رفعا، كأنه قال: يسومونكم من قبل ذلك سوء العذاب
والثاني: أن يكون موضعه نصبا على الحال من آل فرعون والعامل فيه نجيناكم " يسومونكم سوء العذاب " كان بذبح الأبناء واستحياء النساء وقيل: باستعمالهم في الاعمال الشاقة واستحياء النساء كان بان يستبقين وقيل إنه كان يفتش احياء النساء عما يلدن، وقيل: انهم كانوا يستحيون ان يلجوا على النساء في بيوتهن إذا انفردن عن الرجال صيانة لهم فعلى هذا يكون انعاما عليهن وهذا بعيد من من أقوال المفسرين والسبب في أن فرعون كان يذبح الأبناء ويستحيي النساء ما ذكره السدي وغيره، أن فرعون رأى في منامه نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، وأخرجت مصر فدعى السحرة والكهنة والقافة فسألهم عن رؤياه فقالوا: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه - يعنون بيت المقدس - رجل يكون على يده هلاك مصر فامر بني إسرائيل الا يولد لهم غلام إلا ذبحوه ولا جاريه الا تركت وليس في الآية دلالة على سقوط القود عمن قتل غيره مكرها ولا القود على المكره ولا إن كان مختارا غير مكره فالقود عليه لأنه لم يجر لذلك ذكر: فان قيل إذا كانوا نجوهم والله أنجاهم ما المنكر أن يكون العاصي هو الذي عصى الله والله خلق معصيته؟قيل: لا يجب ذلك الا ترى انه يقال قد ينجيني زيد فانجو وان لم يكن فعل بلا خلاف وكذلك إذا استنقذنا النبي " ص " من الضلالة فخلصنا لا يجب أن يكون من فعل فعلنا واخبار الله اليهود بهذه القصة على لسان رسوله من دلائل نبوته، لان منشأه معروف وبعده عن مخالطة الكتابيين معلوم.
1- سورة الأعراف آية 58.
2- في المطبوعة والمخطوطة " الجفار ".
3- ديوانه، ونقائض جرير والأخطل، والهذيل هذا هو ابن بهرة التغلبي غزا بنى يربوع باراب " وهو ماء لبني رياح بن يربوع " وبني تيم تفزع أولادها باسمه والأنفال: الغنائم وفي المطبوعة والمخطوطة " نفيتم " بدل يقسم.
4- سورة يونس آية: 92.
5- في المطبوعة والمخطوطة: (فقلت له فتقول للقبيلة).
6- الخسف: الظلم والهوان تربد وجهه: تلون من الغضب كأنما تسود منه مواضع.
7- سورة الفتح آية: 29.
8- سورة البقرة آية: 273.
9- سورة الرحمن آية: 41.
10- السوم ساقطة من المخطوطة المطبوعة هامش.
11- سورة الأعراف آية: 21، وسورة طه آية: 121.
12- سورة طه آية: 22، وسورة النمل آية: 12، وسورة القصص آية: 32.
13- سورة الصافات آية: 107.
14- قاله أبو ذؤيب الهذلي وصدر البيت " انى أرقت فبت الليل مشتجرا " وفي المحكم (مرتفقا) بدل " مشتجرا " ولعلهما روايتان والشتجر: الذي يضع يده تحت حنكه مذكر الشدة همه: - لسان العرب -.
15- سورة الأنبياء آية 35.
16- سورة الأنفال آية 17.
17- ديوانه وروايته " رأى الله.. فأبلاهما ".